عالم
«الوطن» أمام قبر «عرفات»: أجانب وأطفال وشيوخ ينعون رحيل «المناضل»
جنديان بزى عسكرى يقفان أمام قبر الرئيس الفلسطينى الراحل وسط زيارات متكررة من أهالى غزة أعلام فلسطين ترفرف فى الهواء، رخام المكان الأملس يضفى فخامة على الأجواء، باقات الورود تزينه وشعبه يحييه، مرت سنوات تسع ولا يزال مهيمناً على العقول، رحل الرجل وبقيت الفكرة، «بعث فلسطين الجديد» كما يفضل شعبه وصفه، أو كما اختصه شاعر المقاومة محمود درويش بكلماته «الفصل الأطول فى حياتنا وكأن اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة.. عرفات».. فيما تتجلى فى الخلفية أحاديث عن السبب الحقيقى فى وفاة الرجل بعد خروج تقرير سويسرى يشير إلى أنه مات مسموماً. من أمام قبر الزعيم الراحل ياسر عرفات بـ«رام الله» كانت «الوطن» وسط الجمع المصطفين، رجل مسن يدعو للمناضل، وطفل يضحك ضمن رفاق رحلته المدرسية «الاختيارية» صوب ضريح الرجل، وشابة قطعت أكثر من 80 كيلومتراً لتلقى نظرة على مستقره الأخير، بينما يتبادل الأجانب النظرات مرة صوب القبر وتارة قِبَل أولئك الناظرين فى إجلال لزعيم راحل. جنديان بزى عسكرى، يقفان «ديدبان» على أطراف القبر، بينما تحتل معظم أجزائه باقات الورود من مسئولين حضروا مع فتح المكان فى تمام التاسعة صباحاً، كذلك لم يبخل المواطنون البسطاء ببضع ورود يلقون بها على قبره: «الله يرحمك يا أبوعمار» يقولها رجل خمسينى وعيناه تفيضان بالدمع، فى الوقت الذى يقف فيه رباح كنعان وابن عمه المقبلان من قرية «أبوخماس» بـ«رام الله» يسردان محاسن الرجل «كان راجل» جملة بسيطة يلخص بها الشاب العشرينى سبب حبه للرئيس الراحل، مشيراً إلى أن أكثر الصفات التى كانت تميزه هى «الوفاء بالوعد»، معتبراً أن حقيقة سبب وفاته لا تهمه فهى مسئولية الحكومة أما هو فيكفيه «تاريخ الرجل قبل الرحيل». ساعة ونصف الساعة قضتها «لينا شيلارى» وصديقاتها المقبلات من الخليل رأساً إلى ضريح «عرفات» بمقر المقاطعة بـ«رام الله»، مرة واحدة كل عام يأتين فيها إلى قبر الراحل بسبب طول المسافة، لكنه طقس ثابت فى نوفمبر لا تحول دونه أية عوائق، الشابة التى يزين وجهها غطاء رأس زاهى اللون تعتبر «أبوعمار» الرمز الباقى للوطن المحتل «كان عارف مصالح الفلسطينيين»، مضيفة بصوت يملأه الشجن أن التناحر الحاصل بين فصائل الشعب الواحد جعلت الحنين لـ«عرفات» ذكرى جيدة للوطن. «وين أبوعمار بدى أشوفه» بلهجة فلسطينية من فم صغيرة لم تبلغ عامها الرابع بعد، تتساءل فى براءة عن المناضل، فيما يجيب والدها «بالداخل»، مشيراً إلى القبر، الصغيرة «جودى» وعدها والدها منذ أيام بأن تزور الرجل الذى يحتفظ بصورته وحكاياته لا تنقطع فى منزلهم «حابب أعرّفها تاريخ بلادها وهى صغيرة» يبرر بها الرجل الأربعينى سبب زيارته برفقة ابنته الصغرى. محررا الوطن مع اطفال غزه امام ضريح عرفات لم تكن الذكرى «التاسعة» لرحيل القائد الفلسطينى والرئيس الراحل للسلطة ياسر عرفات مجرد حفل للرثاء، بل كانت سبباً فى فتح لغز وفاته. اللواء توفيق طيراوى، رئيس اللجنة الخاصة بالتحقيق فى مقتل الرئيس الراحل «عرفات» يؤكد أن المعطيات الأمنية والقرائن تقوده إلى أن «عرفات مات مسموماً»، مضيفاً أنه حتى لو خرجت التقارير العالمية فى نهاية الأمر بغير ذلك فلن يعترف بها، موضحاً أنه سأل العالم السويسرى، رئيس المختبر الذى أخرج تقريراً قبل أيام مفاده أن «عرفات مات مسموماً بفعل مادة البولونيوم المشع»، سؤالاً واحداً: إذا استدعاك قاض دولى وسألك هل مات ياسر عرفات مسموماً؟ بماذا تجيب، فكان الرد: نعم.. مشيراً إلى أن هناك لجنتين تم تشكيلهما عقب وفاة «أبوعمار» ولم تخرجا بنتائج، فيما بدأ «الطيراوى» عمله فى 23 سبتمبر 2010، بفريق عمل مكون من 100 فرد، بين لجان أمنية وقانونية، وفنيين، مشيراً إلى أن جريمة قتل عرفات «مركبة»، وأن هناك «دولاً رفعت الغطاء عنه ليقتل»، ملمحاً إلى أن «فرنسا تعرف الحقيقة وعليها أن تخبرنا بها سريعاً»، قبل أن يوضح أن نتائج التحقيقات أفضت إلى أن «عرفات» لم يمت بفعل الشيخوخة أو مرض محدد، ولا حتى موتاً طبيعياً وإنما الخبر اليقين أن «أبوعمار مات مسموماً». مرتدياً شالاً فلسطينياً، بوجه أفريقى داكن البشرة وأسنان تعلن الابتسامة ووجه تحيطه نظارات طبية يقف «ياسر ساندون» فى جلال منتظراً لحظات بداية فعاليات الاحتفاء بذكرى الرجل الذى سُمى تيمناً به، قبل سنوات كان «سندون» -والد ياسر- سفير دولة ناميبيا فى جنوب أفريقيا يلتقى بـ«عرفات» الذى يعتبره مناضلاً، فما كان منه إلا أن أطلق اسمه على مولوده الجديد، الشاب العشرينى حضر إلى أسبوع الشباب فى «رام الله» بدعوة من سفير فلسطين فى جنوب أفريقيا، معتبراً أن حضوره شىء يبعث على السرور لرجل سمع عنه الكثير والتصق اسمه به. «بالروح بالدم نفديك يا أبوعمار» يرددها الجمع فيعقب عرفات: فلسطين. هكذا اعتاد القائد الراحل أن يعضد قوى شعبه المحاصر، يستحضرها هيثم عبدالناصر، الصبى الذى لم يتخطَّ عامه الخامس عشر، كجزء من صورة ذهنية تركتها اللقاءات المسجلة للرجل الذى لم يعرفه فى طفولته فأعانته أسرته على معرفة الرجل الأهم بالنسبة له، حسب وصفه، «هيثم» الذى خرج من المدرسة حاملاً حقيبته على ظهره يدين لعرفات بفضل حبه لفلسطين رغم أنه لم يره «الوحيد اللى قدر حياتنا.. وعرف معنى فلسطين». «مسئوليتنا أن نتحمل البحث عمن قتل عرفات ونعلم أن هناك أطرافاً دولية وراء الحادث» يقولها «جبريل الرجوب» عضو اللجنة المركزية لحركة فتح فى مستهل حديثه عن «عرفات»، معتبراً أن الجانب الإسرائيلى هو الضالع الرئيسى فى اغتيال «عرفات»، حسب وصفه «سنلاحق شارون وعصابته»، مؤكداً أن مقتل «أبوعمار» كان بمثابة الهدف الأهم للصهاينة فى فرز قيادة جديدة تقبل بالحلول الوسط، قبل أن يستكمل بنبرة الواثق «قوى إقليمية رفعت الغطاء عن الرئيس الراحل وغضت الطرف عن اغتياله». «الرجوب» رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ناشد قادة حركة حماس بإعلان موقف محدد حيال الوضع الفلسطينى الراهن، قائلاً بنبرة صوت غاضبة «على حماس أن تقرر إن كانت تريد التحرر أم السلطة.. الهوية أو المتاجرة بالقضية»، معتبراً أن نحو مليون ونصف المليون هم سكان قطاع غزة فى حكم الرهائن، خاتماً حديثه بعبارة «نحن لا نبكى عرفات نحن نبكى حالنا بعد رحيله». أخبار متعلقة ابن شقيقة "عرفات": فيلم "الجزيرة" عن وفاة الرئيس الراحل "همبكة" رئيس لجنة التحقيق في وفاة "عرفات": الرئيس الراحل مات بـ"البولونيوم".. وإسرائيل قتلته الفلسطينيون يحيون ذكرى رحيل عرفات وسط تصاعد "الحرب الكلامية" بين فتح وحماس "فتح": عرفات حول النكبة إلى أعدل قضية للتحرير الوطني الفلسطيني "حماس" تنفي منع إقامة مهرجان إحياء ذكرى رحيل عرفات