أهم الأراء
البحرين.. لؤلؤة الخليج
قد تكون البحرين هى المنطقة الوحيدة فى الخليج العربى التى تخلو من النفط والجاز، ولكنها تضىء وتعمر بما هو أهم من ذلك وأعمق كثيراً. تضىء وتعمر بالإنسان المتحضر الودود الذى يشعرك بأنه قريب منك. لا تحس مع أهل البحرين بذلك الغرور الذى هو وليد حداثة النعمة، والزيادة المفاجئة للثروة، والذى تشعر به فى بعض بلاد الخليج الأخرى. ذهبت إلى البحرين أكثر من مرة منذ بداية استقلالها عن الاستعمار البريطانى، وكنت فى كل مرة أحس بقرب أكثر من أهلها الودودين، سواء كانوا من الحاكمين، أو المحكومين، أو من أفراد الأسرة الحاكمة - أسرة آل خليفة، أو من أفراد الشعب العادى. وفى آخر زيارة لى برفقة الأخ الفاضل والصديق العزيز المجمعى والأكاديمى الكبير الدكتور صلاح فضل، الذى عمل فى جامعة البحرين بضع سنوات، والذى يحظى بعلاقة وثيقة بالشيخة مىّ آل خليفة، وزيرة الثقافة، وأسعدنى بأنه قدمنى لها، وتكررت دعوتها له ولى فى المناسبات الثقافية التى تطلقها الوزيرة المثقفة، وكان آخرها فى الأسبوع الماضى، حيث أقيمت فى البحرين ليالٍ فنية مصرية شاركت فيها فرقة رضا، وحازت إعجاباً كبيراً من شعب البحرين، وكذلك غيرها من الفرق. ولم يسعدنى الحظ أنا وصديقى الدكتور صلاح فضل بأن نكون فى البحرين فى الوقت الذى أقيمت فيه الليالى الفنية المصرية، ولكن دعوتنا جاءت بعدها. وغمرتنا الشيخة مىّ بكرمها، سواء فى منزل الشيخ إبراهيم العريف - رحمه الله - الذى يحتفظ فى بيته بصورة له مع جمال عبدالناصر من الواضح أنها كانت محل اعتزاز كبير منه. وفى الزيارة الأخيرة للبحرين، وفى مسرحها الوطنى الفخم والمجهز على أحدث طراز، والذى ينافس أكثر مسارح الأوبرا فخامة وحداثة - حضرنا مناسبتين فنيتين من طراز رفيع. المناسبة الأولى كانت للمغنى الأوبرالى «بلاسيدو دومينجو placido domingo»، الذى يسمونه فى إيطاليا - موطنه الأصلى - «أسطورة الأوبرا». وغنى «دومينجو» عدداً من أروع أغانيه الأوبرالية من «أليتندر» إلى البارتيون. وشارك «دومينجو» فى إحياء الحفل أو فى إحياء «الليلة الأوبرالية الساحرة»، على حد تعبير وزيرة الثقافة. أحيا معه الحفل عدد من أشهر فنانى الأوبرا منهم جوليا نوفيكوفا وايلين بيريز وبقيادة المايسترو يوجين كوهن. أين فى الوطن العربى تشاهد عرضاً مثل هذا العرض الساحر؟! ويكاد المسرح الوطنى البحرينى الحديث على اتساعه لا يسع كل الجمهور الحاضر، وغالبيته العظمى من أهل البحرين بطبيعة الحال. كان هذا حفل الليلة الأولى التى قضيناها فى البحرين، لؤلؤة الخليج. أما الليلة الثانية فكانت أيضا حفلاً موسيقياً رائعاً غُنّيت فيه كثير من الأغانى العاطفية، وعُزفت فيه قطع من الموسيقى الكلاسيكية قدمها عازفون عالميون كثيرون. مرة أخرى يحق لى أن أتساءل: أين فى الخليج - بل فى الوطن العربى كله - تستطيع أن تقضى ليلتين بهذا الفن والثراء الفنى الرائع؟! إننى لا أبالغ عندما أقول إن السيدة مىّ آل خليفة، وزيرة الثقافة والسياحة فى مملكة البحرين، هى ظاهرة عربية فريدة استطاعت أن تقيم فى هذا الركن من الوطن العربى حركة ثقافية واسعة، استطاعت بها أن ترفع مستوى جمهور أهل البحرين إلى آفاق لم يكن يحلم بها أحد. وقد أتاحت لى هذه الزيارة أن ألتقى بمعالى الشيخ خليفة، وزير العدل فى البحرين، وسعدت كثيراً عندما أخبرنى بأنه كان واحداً من طلابى فى الدراسات العليا فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة. لست أجد سعادة قدر سعادتى عندما ألتقى بطلابى فى أنحاء الوطن العربى كله من مشرقه إلى مغربه. هذه هى السعادة الحقيقية للأستاذ الذى يعتز بأستاذيته. كل شىء زائل إلا ثمار الأستاذية هى التى تنمو وتبقى وتقهر الزمن والأيام. والحمد لله على كل حال. وأرجو للبحرين، لؤلؤة الخليج العربى، بل لؤلؤة الوطن العربى، كل نمو وازدهار وتقدم واحترام لكرامة الإنسان ووعى الإنسان وحرية الإنسان.. والله المستعان.