أهم الأراء
مصريون فى الكرملين
هل تريد منى الاستمرار فى شرح وقائع «مصريون فى الكرملين»؟ سأعتبر بصفة حاسمة أنك وافقت، فالكاتب ينبغى أن يكون ديكتاتورا وهو يمسك قلمه، فإذا لم يعجب بعض من أعرفهم من الخوارج أو من مرضى«عدم تصديق الواقع» استمرار حديثى عن وفد موسكو فعليهم أن يغلقوا الجريدة فورا، أو يخرجوا من موقعها الإلكترونى غير مأسوف عليهم، وإلا ستقفز كلماتى فى قلوبهم المريضة فتحيل شرايينها «أنابيب غاز» قابلة للانفجار. ولتسمع منى يا سيدى القارئ المصرى الوطنى الحقيقى ـ ودعك من ترهات الخوارج ـ أما أول ما سأكتبه فهو عن ذلك الطابع المعمارى البديع لمدينة موسكو، تستطيع أن تقول إنها مدينة تحافظ على تاريخها، مبانيها ضخمة فى غير ارتفاع، طوبية اللون، لمعظمها قباب مميزة، وكن على يقين من أنك سترى العديد من القباب الذهبية التى تخطف الأبصار، ويالك من محظوظ إن رأيت الكرملين أو دخلته، فهو أحد المبانى التى تسحر الألباب، ولكن فوق هذا وذاك انظر إلى نهر موسكو، ذلك النهر الذى يصل طوله فقط إلى خمسمائة كيلو، ومع ذلك فإن الروس يستغلونه بشكل لا مثيل له فى النقل التجارى، ومع ذلك فإن هذا النهر لا يعرف لغة التلوث أبدا. كان أول من قابلت فى مطار موسكو هو الفنان المصرى الكبير دكتور «أسامة السروي» وهو أحد كبار المثالين المصريين كما أنه المستشار الثقافى لمصر فى سفارتنا هناك، كنا ثلاثة ركبنا معه سيارته الخاصة ليصطحبنا إلى الفندق، العبد الفقير لله، والنقيب سامح عاشور، ورجل الأعمال كامل أبو على، وإذا بى أجدنى أجلس مع موسوعة بشرية، رجل له ذاكرة حديدية، يعرف كل شىء عن تاريخ روسيا، وفوق هذا وذاك أضاف لمصر الكثير هناك، ونظرا لأن المطار يبعد عن موسكو ساعتين تقريبا فقد أخذنا الحديث إلى مناح مختلفة، سواء عن روسيا القيصرية وقياصرها، أو روسيا الشيوعية، وحين دخلنا إلى موسكو المدينة وجدت شوارعها وكأنها تنطق باسم العظماء من أدبائها، تشيكوف، وتولستوى، وجوجول، وكان مما وقع عليه نظرى شغف الشعب الروسى بالقراءة، حتى إن معظم من رأيتهم يجلسون على محطات الحافلات ـ أو داخلها ـ كان كل واحد منهم يمسك كتابا يتصفحه بتركيز، ومن الدكتور أسامة السروى عرفت أنه لا توجد أمية فى روسيا، وأن الأمية التى يسعون للقضاء عليها ـ واقتربوا من النجاح فيها ـ هى أمية الكمبيوتر. هل حدثتك عن النظافة فى روسيا، طبعا النظافة من الإيمان، نحن نؤمن بذلك، ولكن هل نمارس هذا الإيمان فى حياتنا؟ سأترك لك الحكم ولكن فقط سأقول لك إن النظافة هى أسلوب حياة فى روسيا، وقبل أن نصل للفندق كان الجو ـ بالنسبة لنا ـ قد أصبح قارسا شديد البرودة حتى إن الأستاذ كامل أبوعلى عندما نظر إلى بعض العمال الروس وهم ينظفون أحد الشوارع بجدية وإتقان قال لى: لو كنا فى مصر فى هذا الجو لأخذ الجميع إجازة وتركوا الشوارع تغرق فى برك المياه الطينية. نخرج من الانطباعات الخاصة وندخل فى السياسة، فى روسيا عرفت وأنا مع الوفد أن هناك سياسة وطنية، ما هذه السياسة الوطنية، هى أن تمارس السياسة من أجل الوطن لا من أجل حزبك، أو فكرك، أو توجهاتك، وقد قمنا بتطبيق هذا المفهوم بشكل عملى، فالكل انصهر فى واحد، الكاتب الكبير محمد سلماوى يتراجع خطوة ليقدم السفير رؤوف سعد سفيرنا السابق فى موسكو، وسفيرنا السابق يجذب اللواء أحمد عبدالله محافظ البحر الأحمر كى يتقدمنا فى الحديث، والنقيب سامح عاشور يؤثر غيره على نفسه ويقدم الآخرين للحوار حتى ولو أصبح هو آخر المتحدثين. وكان لقدرات الدكتور جمال زهران السياسية دور كبير فى شرح خطورة تغير طبيعة الأنظمة السياسية فى المنطقة وأن هذا التغيير سيغير من خريطة العالم وسيصب فى مصلحة أمريكا الاستعمارية، أما الفنان الكبير عزت العلايلى فقد صال وجال بتمكن واقتدار، وأعرب عن أسفه من ذلك الموقف الروسى غير المفهوم عندما استبعدت مصر من مهرجانات موسكو السينمائية رغم أن مصر تعتبر واحدة من أقدم دول العالم فى صناعة السينما، وكان حديث العلايلى فى هذا الشأن مؤثرا بحيث سيكون هو صاحب الفضل فى عودة مصر لهذا المهرجان الحضارى الكبير، وعن دور المرأة المصرية كان للفنانة هند عاكف والناشطة الحقوقية ثناء الأسيوطى الدور الأكبر فى إعطاء المرأة المصرية حقها حتى إن الممثل الشخصى للرئيس بوتين السيد ميخائيل بوجدانوف قال لنا قبيل انتهاء لقائنا به: إننا فى روسيا يجب أن ننحت تمثالين لامرأتين عظيمتين، هند عاكف وثناء الأسيوطى. هذه رحلة تعلمت فيها ومنها الكثير، أخفينا كلنا اختلافاتنا السياسية، فنسيت خلافى النقابى والسياسى مع النقيب سامح عاشور وتناسى الدكتور جمال زهران خلافى الأيديولوجى معه، حتى ذلك الاختلاف العقائدى أصبح دافعا لنا للتوحد لا للخلاف، إلى الحد الذى جعلنا نطلق على السفير السابق رؤوف سعد ـ وهو مسيحى ـ ونحن نتضاحك بسجية وسلامة نية اسم السفير «محمد عبد الرؤوف سعد الدين» ومع ما لهذا الرجل من مكانة سامقة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية إلا أنه كان يشاركنا فى هذا المزاح ثم يبادر معنا إلى إطلاق اسم «مستر بيوتفل زهرانوف»! على الدكتور جمال زهران ـ ولهذا الاسم قصة يحتفظ الوفد كله بسرها ـ والذى ما إن رآنى أضع على رأسى «طاقية روسى سوداء» اتقاءً للبرد حتى أطلق عليَّ اسم « جورباتشوف المنشق» وكان من تصاريف القدر فى هذه الرحلة أن تعرفت على اللواء أحمد عبدالله وهو رجل دولة من طراز فريد، وأشهد أن الغردقة كانت هى همه الأكبر وكأنها ابنته، ومعه رجل الأعمال كامل أبوعلى، وكان من مواقفهما هناك أن قاما بدعوة مسؤول العلاقات الخارجية بمجلس الدوما وبعض الأعضاء لرحلة إلى الغردقة ليعاينا عن قرب مدى استتباب الأمن هناك، إلى هنا وسأتوقف عن الحديث، فقد كانت هناك مباحثات أخرى لم ولن نفصح عنها ولكنها إن شاء الله ستعيد مصر إلى مكانتها الدولية المعتبرة.