أهم الأراء
م الآخر| Refresh.. قبل الاحتضار بقليل
كان يضغط بين كل لحظة وأخرى على زر Refresh (ملاحظة: القصة عبارة عن ثلاثة خطوط متوازية) من بعيد.. شاهدوه وهو يقترب من القبور المبعثرة فوق التلة الخضراء.. بثيابه الرثة وشعره الأشعث وكان يدندن أغنية حزينة. على الرغم من أنه لم يتجاوز بعدُ عامه الثالث والعشرين فإنه يشعر بأن العمر قد انتصف وقد بدأ العد التنازلي للخلود الأبدي. كل يوم يفتح ميل الـ«ياهو» وينتظرها على الشات.. لكنها لا تأتي أبدًا. * * * دنا ببطء من قبر منفرد، بالقرب من شجرة بلوط كبيرة حاملاً بيده كيسًا، ووقف أمام شاهد القبر. فقد مناعته ورغبته في الحياة واستكان للقدر وعبثه.. لم يفرح ولم يشعر بالسعادة.. كانت تنقصه أشياء كثيرة تاهت في حضرة الغياب. لم يكن أمامه سوى رواية «الحب في المنفى» لبهاء طاهر؛ لأنها آخر شيء استعارته منه.. كان يشعر بيدها عندما يمسك الكتاب، وفرح وهو يتخيل أصابعها تقلِّب الصفحات وغمره عبق أنفاسها فشعر بالسعادة وابتسم. * * * أجهش بالبكاء وهو يمد يده داخل الكيس ويخرج تفاحة تلو الأخرى ويضعها بعناية حول القبر حتى يحيط القبر بالتفاح.. انتفخ قلبه بالألم بعدما اعتصرته حمى روماتيزمية، أنهكته وقضت على ما تبقى من دقاته. فلم يعد يشعر سوى بأنه أحد الأنبياء المنسيين في تلك المدينة يضايقه التهاب الوحدة وأرق الشك.. «خلي الفراق أجمل فراق في دنيا العاشقين».. أعجبته أغنية «خليني ذكرى» لوائل جسار.. فظل يسمعها ليل نهار.. * * * يُخرج التفاحة الأخيرة ويضعها بالقرب من شاهد القبر.. يجرفه حنين قاسٍ إلى الماضي.. يتذكر وجوه الموتى أكثر من الأحياء.. ودَّ لو اشترى تذكرة سفر أبدية في قطار لا يتوقف أبدًا عن السفر.. ود لو توقف العمر للحظات.. فقط للحظات.. عندما شاهد مقطعًا من فيلم «The Women» لـMeg Ryan شعر أنها تمتلك تعبيراتها وبراءتها نفسها.. وندم على أنه لم يلاحظ ذلك من قبلُ. * * * يتحسس بأطراف أصابعه حروف الاسم حرفًا حرفًا (س - ل - ا - ف) وتسقط قطرات من دموعه فوق الحروف.. الأمل لم يعد يستهويه، ولم يعد يفكر.. فقد شحن قلبه بكل أنواع الرعب من الأيام حتى أصبح يخاف مستقبله مثلما يخاف من البحر.. كان بحاجة إلى بعض الضوء ليقرأ رسالتها فلم يجده.. لقد حلَّ الخريف كما يبدو من قصر الأيام.. فأغمض عينيه وتلمس بأطراف أنامله الحروف. * * * شُبِّه له أنها تخرج من قبرها فاتحة ذراعيها له.. فنزع نظارته ليشاهدها بشكل أفضل.. يدرك أن دورة الخلاص بالنسبة له هي أن يعيش كل أنواع التعاسة وأن يرى بعين غير معتمة كل الظلمات. قبل أن يشاهد فيلم «City Of Angles» ألقى نظرة على صورتها التي يحتفظ بها على LapTop.. ثم راح يتابع الفيلم باهتمام. * * * ضمها إلى صدره قائلاً: - حبيبتي! سوف أعانقك وأقبلك طويلاً.. سوف آخذ ذراعيك وأضعهما على كتفي.. لطالما فكرت بكِ كل يوم.. أيقن أنه لم يفهمه ولو يستوعبه أحد غير وحدته؛ ففي داخله تصطخب وتتصادح أجناس لا تُحصى من الأفكار والأوهام. لقد تحول إلى حصان كسول.. قدماه عاجزتان عن اللحاق بدقات قلبه. كان يقرأ كتابًا مميزًا لجبران خليل جبران، تمنى حينها لو كانت معه ويقول لها: - ما رأيك أن أقرأ لك بصوت مرتفع: يمكننا أن نجلس في الشرفة معًا وأنا أقرأ لكِ، هل تحبين ذلك؟! * * * هطل المطر فأفاق من نوبة شروده ليجد الليل أيضًا هبط.. فاستلقى على ظهره بجوار قبرها.. ونام.. قامر بالراهن واليقين.. قامر بهما من أجل المستقبل المجهول.. حاول أن يتدخل في إرادة الرب ويغير قدره.. فخسر كل شيء حتى نفسه.. في باحث الـFacebook كتب اسمها.. فظهر بروفايلها.. ضغط Add.. وانتظر موافقتها.. وكان يضغط بين كل لحظة وأخرى على زر Refresh. -أنا ذلك الذي لم يتقدم أبداً