منوعات
بعد جدل شيرين أبو عاقلة على "السوشيال ميديا".. هل يجوز الترحم على غير المسلم؟

حالة من الجدل شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي بعد استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، أمس الأربعاء، على يد الاحتلال الإسرائيلي، حيث ترحم عليها البعض في حين رأى آخرون أنه لا يجوز الترحم عليها لكونها مسيحية الديانة.
وفي مناسبات عدة أوضحت دار الإفتاء وبعض المشايخ هل يجوز الترحم على غير المسلم..
وكتب الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، على صفحته على "الفيس بوك"، أن كل جهد يبذله إنسان - أيا كان دينه - لنفع الإنسانية، وخدمة البشرية؛ فهو جهد مقدر في الشريعة الإسلامية؛ إذ هي شريعة شكر المعروف، وعدم جحده، وهي تهدف من وراء ذلك إلى أن يتنافس الناس في فعل الخيرات، وأن يتعايشوا متعاونين على ما ينفعهم، وإن اختلفت أديانهم.
وأضاف: "حضت الشريعة الإسلامية على تقديم واجب الشكر لكل من أسدى معروفا، بغض النظر عن دينه، وفي الحديث (لا يشكر الله من لم يشكر الناس) وفيه (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) وفيه (من صُنع إليه معروفٌ فقال لفاعله (جزاك الله خيرا)؛ فقد أبلغ في الثناء)، ولا يخفى أن هذه الأحاديث وردت بصيغ العموم، فهي ليست خاصة بصانع المعروف المسلم".
واستكمل: "ومما يؤكد ذلك ثناؤه صلى الله عليه وسلم على من صنع معروفا من غير المسلمين، وأفاد به الإنسانية، كثنائه على المطعم بن عدي، وحاتم الطائي، وعبد الله بن جدعان، والتعاون بين أهل الأديان لنفع الإنسانية مطلوب، وقد استعان صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أرقط في الهجرة وهو مشرك، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم قدَّر له هذا التعاون، وأن هذا الرجل كان رجلا بمعنى الكلمة".
وتابع: "إذا فعل غير المسلم معروفا؛ نفعه في تخفيف العذاب عنه في الآخرة، ولم يمنع عنه الخلود فيه، كما في صحيح مسلم؛ إذ سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل نفعت عمك أبا طالب بشيء؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)، وتخفيف العذاب مقتضى الرحمة، والمنع من الخلود فيه مقتضى المغفرة، فالأول جائز، والثاني ممتنع، والكلام في مصائر الناس الأخروية، بعد موتهم؛ بدعة أحدثتها الجماعات الدينية، لم تُعهد عن السلف الصالح رضي الله عنهم، بل قال العلماء المحققون: إنه لا يجوز الجزم لكافر معين بالنار، ولا لمسلم معين بالجنة؛ لأننا لا نعلم ما في الواقع ونفس الأمر، ولكن التحقيق أن يقال: من مات مسلما فهو في الجنة، ومن مات كافرا فهو في النار".
واختتم كلامه قائلًا: إنه ليست هذه الدعوة إلى تذويب معالم الدين، ولا إلى تهوين الكفر، ولا إلى إعطاء الدنية في ديننا، كما يحلو لبعض قصار النظر أن يردده في مثل هذه المناسبات، بل هي دعوة إلى التعقل، فنحن نعيش في عالم شديد التعقيد، لا مكان فيه للسطحيين والسذج، ونحن شديدو الاعتزاز بديننا، الذي أنقذنا الله به من ظلمات الشرك والجهالة، وأمرنا به أن نتعايش مع الجميع، وأن نقدر جهد الجميع، وأن نكل أمر مصائر العباد إلى الله؛ فهو أعلم بها منا، رحم الله الأستاذة شيرين أبو عاقلة، وجزاها عن القضية الفلسطينية خير الجزاء.
ومن جانبه قال الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، في تصريحات سابقة، إن الترحم على غير المسلم الذي عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، فإذا أراد المسلم أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام فهذا جائز، الترحم على غير المسلم الذي عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، وأنه لا يُعادي الإسلام ولا يحاربه، فإذا أراد المسلم أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام، فهذا جائز".
وتابع: "إذا رأيت مَن على غير ملتك وبه صفات جميلة لك أن تُعجب به، أما عن الترحم فدعنا نفرِّق بين أمرين: الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه أنه لا يغفر لمَن مات على الشرك، وبالتالى طلب المغفرة غير مشروع، لكن طلب الرحمة هو شيء آخر، حيث إن الرحمة أوسع من المغفرة، ونص العلماء على أن رحمة النبي تنال كل الخلائق فى الدنيا والآخرة، وفى الآخرة تفزع الأمة للنبي لطلب الشفاعة مؤمنهم وكافرهم، فيشفع فى الأمم للتخفيف عنها، وبالتالى المُنهى عنه الاستغفار، لكن الرحمة بالمعنى الأوسع والأعم ليست كذلك".
وأوضح الشيخ محمد العليمي، عضو لجنة الفتاوى الإلكترونية، في تصريحات سابقة، أن الله عز وجل من أسمائه الرحمن ومن أسمائه الرحيم، أي أن الله رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، ولا حرج ولا إثم على المسلم أن يترحم على شخص مسيحي وان يدعو الله أن يرحم جميع الناس برحمة الواسعة.
وأضاف: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رحمة وأرسل بالرحمة بل اختزل القرآن الكريم بعثة النبي في الرحمة، مستشهدا بقول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، والنبي كان رحمة للمسلم وغير المسلم وللعاقل ولغير العاقل والنبي رحيم أيضا حتى بالجمادات، والرحمن هو الله والرحيم هو الله.