ملفات وحوارات
مع إنشاء شركة لاستغلال المعادن الاقتصادية.. مصر تكتشف كنوز الرمال السوداء
على مدار العقود الماضية كانت ثروات مصر الطبيعية مهملة وتتعرض للسرقة قبل أن تتحرك الدولة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لاستغلالها وتحويلها إلى مصدر للدخل القومي وأحدث ماتم في هذا الشأن الاستفادة من الرمال السوداء أحد الكنوز الغنية بالمعادن المهمة والتي تنتشر على امتداد سواحل مصر الشمالية المطلة على البحر المتوسط حيث تم إنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء لاستغلال المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء وخلق استثمارات جديدة تعمل على تنمية وتطوير الاقتصاد المصري وتم البدء في أعمال التكريك بواسطة الكراكة الهولندية العملاقة "تحيا مصر" واستخراج 41 عنصراً معدنياً من هذه الرمال السوداء.
وتمتلك مصر وفقاً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري ما يقرب من 11 موقعاً على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة تبدأ من رشيد حتى العريش بطول ساحل 400 كيلو متر وتوزع علي 4 مناطق تشمل شمال سيناء بواقع 200 مليون متر مكعب ودمياط بواقع 300 مليون متر مكعب ورشيد بواقع 600 مليون متر مكعب وبلطيم بواقع 200 مليون متر مكعب وتضم أهم المصادر الأساسية لكثير من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية مثل المونازيت واليورانيوم المشع والزريكون ومعادن أخرى كثيرة تدخل في صناعات كثيرة ومهمة مثل صناعة الصواريخ والطائرات وهياكل السيارات بالإضافة إلى المواد الخام التي تستخدم في الصناعات الحديثة من أبرزها معدن الروتيل والألمنيت الذي يستخدم في صناعة البويات ومعدن الزركون الذي يستخدم في صناعة السيراميك والعوازل والخزف والأسنان التعويضية.
ويستخرج أيضاً من معدن الزركون عنصر الزركونيوم الذي يستخدم في صناعة أغلفة الوقود النووي وفي العديد من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى والجرانيت الذي يستخدم في صناعة فلاتر المياه والصنفرة والماجنتيت الذي يستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول بالإضافة إلى معدن المونازيت المشع وهو مصدر إنتاج العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في الصناعات عالية التقنية التي تعتمد أغلبها على الإلكترونيات كما أنه مصدر للحصول على اليورانيوم الذي يصلح كوقود نووي.
ويوجد موقعان للرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ الأول شرق البرلس بملاحة منيسي التابعة لقرية الشهابية على مساحة 80 فداناً ويعمل بخبرة مصرية استرالية وباستثمارات قدرها 24 مليون دولار والثاني بشمال الطريق الدولي غرب محطة توليد الكهرباء العملاقة بالبرلس على مساحة 35 فداناً ويعمل بخبرة مصرية صينية ويشارك في المشروع محافظة كفر الشيخ وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة وهيئة المواد النووية وبنك الاستثمار.
ويقول الدكتور وائل يوسف الخبير الاقتصادي أن الثروة المعدنية مهمة جداً بالنسبة للاقتصاد المصري ولكنها لم تأخذ نصيبها حتى الآن حيث أن تأثيرها يمثل 0.5% من إجمالي الناتج القومي مما يعني أنها لا تتعدى مليار جنيه وهو رقم ضعيف جداً، مشيراً إلى أنه رغم أن كل الشواهد تؤهل الثروة المعدنية المصرية لأن تكون ثاني أو ثالث إيراد ما بين 5 إلى 10 مليارات جنيه في السنة فإن الدولة المصرية بدأت في إصلاح البنية التشريعية تحديداً الخاصة بالثورة المعدنية لأن القوانين والتشريعات الحاكمة في هذا الأمر إما هزيلة أو غير مطبقة عالمياً.
ويرى الدكتور جمال هيكل أستاذ الاقتصاد أن الرمال السوداء أحد العناصر الـ13 التي تم وضع خطة استراتيجية لها تتماشى مع استخدام الدولة لهذه المقدرات بما يوازي القيمة المضافة وليس كخامة أولية للتصدير موضحاً أنه جرى تحديد أماكن كثيرة تحتوي على الرمال السوداء وأن المنطقة الأكثر تركيزاً من قبل الدولة المصرية هي منطقة رشيد بالإضافة إلى الصحراء الغربية والشرقية ونسبة كبيرة جداً متواجدة على الشواطئ في البحر المتوسط .
وشدد على أن قيمة الرمال السوداء في استخدامها وتصنيعها محلياً داخل الدولة المصرية مؤكداً على إدراج خطة محكمة من بداية وصول المادة الخام لاستخدامها ثم تصنيعها وفتح أسواق أمامها لافتاً إلى إن مصر لن تستهدف بيع مادة أولية بل الحصول على منتج في النهاية يمكن تصديره مما يؤثر بطبيعة الحال على ازدهار اقتصاد الدولة المصرية موضحاً أن 2023 سيكون بداية التصنيع حيث إن مصر تمتلك مناطق تعدينية كالمثلث التعديني في منطقة سفاجا ومنطقة لوجستية في مناطق اقتصادية لقناة السويس ومناطق تصنيعية كالإسكندرية والبحيرة ومدينة دمياط الجديدة.
ويقول محمد عبدالهادي الخبير الاقتصادي أن مصر بها كمية رمال سوداء بمعدل مرتفع للغاية كونها تطل على أكبر بحرين هما البحر الأحمر والأبيض المتوسط وكانت تعاني من إهمال خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن الدولة المصرية بدأت تنافس في المشروعات المهملة لذلك تم إنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء للاستفادة الاقتصادية بالنسبة لمصر من خلال استغلال هذه الرمال وتحويلها واستغلال المعادن الموجودة بها موضحاً أن تحويل هذه الرمال سيصبح قيمة مضافة بالنسبة للاقتصاد المصري لدخولها في عديد من الصناعات وأيضا قيمة مضافة من خلال التصدير.
وأكد أن مشروع الرمال السوداء سيحدث نهضة اقتصادية خاصة في المعادن إضافة لتشغيل العمالة، مشيراً إلى أن الاستفادة الاقتصادية من مشروع الرمال السوداء سيكون من شقين الأول من خلال كده استغلالها وتصنيعها وتحويلها لمعادن مختلفة مما سيجلب تدفقات دولارية وكلما وجدت الوفرة في المعروض من الدولار سيحدث انخفاضاً في القيمة الشرائية للجنيه المصري مقابل الدولار بالإضافة إلى جذب الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية.
وأوضح أن هناك معادن من الرمال السوداء سيتم استغلالها تدخل في جميع الصناعات مشيراً إلى إن الناتج المحلي الإجمالي سيزيد بنسبة كبيرة جداً حيث سيرتفع من ناحية العمالة والمعادن والصادرات وإحصائياً سيزيد بمعدل 20% من الناتج المحلي الإجمالي على الأرجح لافتاً إلى أن هناك مصادر مختلفة للحصول على الرمال وتصنيعها وفلترتها من درجة الخام الأولية لخامة التصنيع.
ويقول الدكتور محمد خضر أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة كفر الشيخ أن الدراسات والأبحاث حول الرمال السوداء بدأت بمصر منذ 60 عاماً تقريباً من عدة جهات مختلفة مثل الشركة العامة للرمال السوداء وهيئة المساحة الجيولوجية وهيئه المواد النووية مشيراً إلى أن الرمال السوداء أتت من منابع نهر النيل وليست رواسب من البحر المتوسط كما كان يظن البعض لأنها لو كانت رواسب من مياه البحر المتوسط لوجدت على طول ساحله في مرسى مطروح والسلوم وغيرها وسواحل الدول المطلة عليه وهذا ليس صحيحاً حيث لا توجد رمال سوداء بها.
يذكر أن الرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة تأتي من منابع النيل وتتراكم على بعض الشواطئ وتسمى بهذا الاسم لأنه يغلب عليها اللون الداكن لاحتوائها على كثير من المعادن الثقيلة وتتركز رواسب الرمال السوداء عند مصب النيل بالقرب من دمياط ورشيد وهى رواسب فتاتية من حبات معادن ثقيلة ملونة تتراكم على الشواطئ نتيجة مصبات الأنهار فيها يحملها النيل آلاف الكيلو مترات ليلقي بها على شواطئ البحر المتوسط.