ملفات وحوارات
وداعًا أقدم شركة فى مصر بعد 60 عامًا.. انصهار عملاق الحديد والصلب
بعد 60 عامآ من العمل الشاق، تم نزع أجهزة التنفس الصناعى من على الجسد المريض لشركة الحديد والصلب المصرية، الاثنين الماضى، بعد قرار الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب، برئاسة المهندس محمد السعداوي، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، بتصفية الشركة نهائيآ، حيث قررت الشركة القابضة للصناعات المعدنية تقسيم الشركة إلى شركتين شركة الحديد والصلب التي تم تصفيتها وشركة المناجم والمحاجر،بعد ارتفاع خسائر الأولى، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددا.
وأثار قرار تصفية الشركة استياء العاملين بقطاع الحديد والصلب والخبراء، نظرآ لما سوف يترتب على القرار من "ضياع الشركة الوحيدة" من أصل 32 شركة تمثل إجمالي عدد شركات الحديد في مصر- التي تستخدم خام الحديد المتوفر في الطبيعة، بعد مرور ما يقرب من ستين عامآ على انشائها، وبالرغم من محاولات التطوير التى أعلنت عنها الشركة القابضة للصناعات المعدنية ووزارة قطاع الاعمال أكثر من مرة، وتولى 4 وزراء لقطاع الاعمال الوزارة، واعلانهم عن خطط لتطوير الشركة الا أن الأمر انتهى بقرار فصل الشركة لتكون شركتين الأولى تحت إدارة «الحديد والصلب الوطنية» ، والثانية إدارة جديدة للمناجم والمحاجر في نفس الشركة لتدير فقط 4 مواقع من المناجم والمحاجر، وهي «الواحات البحرية»، و«بني خالد بالمنيا»، و«الأدبية بالسويس»، ومنجم رابع مغلق يقع في محافظة أسوان، ومن حق الشركة الجديدة– حسب القرار- بيع المادة الخام للشركة الوطنية أو للقطاع الخاص أو لشركات أجنبية حسب رغبتها طبقا لطبيعة السوق والعرض والطلب
ووصف المهندس محسن حفظى خبير الموارد التعدينية وعضو اتحاد العاملين بشركة الحديد والصلب السابق - والذى أمضى ربع قرن من حياته فى أروقة الشركة على حد قوله- قرار الشركة القابضة بتصفية الشركة الأم "بالخطة الخبيثة " نظرآ لكونها استغلال لخطة تطوير أعدتها شركة الحديد والصلب بالتعاون مع شركة أوكرانية، والتى تعتمد بالأساس على الاستفادة من خبرة الشركة الأوكرانية وإدارتها في تأسيس مصنع جديد تابع لشركة الحديد والصلب لرفع تركيز خام الحديد المستخرج من مناجم ومحاجر الشركة، وهو ما يسمح ببيع الخام بعد تركيزه لشركات حديد أخرى مع استمرار شركة الحديد والصلب في الاعتماد على الخام غير المركز في إنتاجها.
وأضاف أن الشركة القابضة تسعى الآن لاستغلال الفكرة للإضرار بشركة الحديد والصلب عبر تنفيذ نفس الفكرة لكن مع فصل المحاجر والمصنع الجديد عن الشركة الأم مما يجعلها تحت رحمة توريد الشركة المزمع انشاؤها للخامات.
وقال إن شركة الحديد والصلب هي الوحيدة في مصر -من أصل 32 شركة تمثل إجمالي عدد شركات الحديد في مصر- التي تستخدم خام الحديد المتوفر في الطبيعة، بينما بقية الشركات تعتمد على استيراد أو شراء بعض منتجات «الحديد والصلب» واستكمال إنتاجها وصولًا لمنتجات تامة الصنع. كما أنها الوحيدة التي تعمل بتكنولوجيا الأفران العالية، وهي الأفران التي تعمل بالفحم، بينما تعتمد باقي الشركات على أفران تعمل بالكهرباء، وتحتاج في تشغيلها لخردة الحديد كوقود. وبذلك، تمثل الخردة لشركات الحديد الأخرى مدخلًا من مدخلات الإنتاج، بينما تمثل بالنسبة لـ«الحديد والصلب» إحدى مخلفاته.
ولفت الى ان الشركة نظرآ لتقادم معداتها دون إحلال أو تجديد لها اضافة الى ارتفاع تكلفة الكهرباء و الغاز الطبيعى و المياه بداية من نوفمبر 2016 فضلآ عن ارتفاع تكلفة فحم الكوك بنسبة 200%، أدى ذلك الى تفاقم خسائر الشركة وزيادة مديونياتها.
وكشف التقرير الأخير للجهاز المركزي للمحاسبات الخاص بمراجعة القوائم المالية للشركة في العام المالي المنتهي في نهاية يونيو الماضي عن تراجع حجم الإنتاج النهائي إلى 166 ألف و533 طنًا من حديد الزهر في عام 2018-2019 من أصل 581 ألف وأربعة أطنان تمثل حجم الإنتاج المستهدف في حال لم يتعطل إنتاج الفرن الرابع في الشركة، وهو الفرن الوحيد المستمر حاليًا في الإنتاج من أصل أربعة أفران في الشركة. أي أن الإنتاج الفعلي تجاوز بالكاد 28% من الإنتاج المستهدف. كما أن هذا الإنتاج الفعلي يمثل بدوره تراجعًا بنسبة 18% تقريبًا قياسًا للإنتاج الفعلي في العام السابق.
وحققت الشركة خلال العام المالي الماضي خسائر بلغت 887.37 مليون جنيه، مقابل خسائر بلغت 1.52 مليار جنيه بالعام المالي السابق له، وحققت الشركة خلال العام المالي الماضي، مبيعات بلغت 1.08 مليار جنيه، مقابل مبيعات بلغت 1.24 مليار جنيه بالعام المالي السابق له.
وأكد أحد أعضاء مجلس ادارة شركة الحديد و الصلب والذى رفض ذكر اسمه "للبورصجية" أنه تقدم باستقالته فور علمه بقرار الجمعية العمومية للشركة لأنه لن يشارك فى "مهزلة" تصفية الشركة وتشريد عمالها على حد قوله، مشيرا الى أن الحكومة ممثلة فى وزارة قطاع الأعمال ليس لديها النية فى تطوير الشركة بالرغم من اعلان الوزير الحالى هشام توفيق فى شهر مايو الماضى عن تشكيل لجنة تضم خبراء لدراسة أوضاع الشركة وخطط تطويرها ورفع كفاءة أفرانها وتم الاتفاق على مناقصة لذلك ولكن تم إلغائها لاسباب غير معروفة .
وأضاف أن الأمر لم يقتصر على الوزير الحالى فقط بل سبقه فى ذلك المهندس ابراهيم محلب حينما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، حيث اتفق مع احدى الشركات الروسية "ميت بروم" لتطوير الشركة من خلال امدادها بخمسين مليون دولار، الا أن الخطة توقفت ايضا لاسباب غير معلومة ثم تلاه وزير قطاع الأعمال السابق أشرف الشرقاوي، حينما وافق على تمويل إصلاح أحد الأفران بمبلغ 100 مليون جنيه، لكن الشركة احتاجت لاحقًا لتشغيل الفرن لإصلاح غلاية وهي جهاز ملحق بالفرن ضروري لتشغيله، وهو ما لم يتم، وفي 2018 ألغى خالد بدوي وزير قطاع الأعمال وقتها دون أسباب صفقة لتطوير الشركة بالتعاون مع شركة صينية كانت تعتزم إنشاء أفران جديدة تعمل بالكهرباء لاستغلال الخردة كأحد مخلفات عملية الإنتاج في الأفران القديمة.
واشار الى وجود اقتراحات كثيرة من قبل مجلس ادارة الشركة تم عرضها على وزارة قطاع الأعمال من أجل إنشاء أفران جديدة تعمل بالكهرباء تستغل الخردة المنتجة من الشركة نفسها "التي تمثل مخلفات إنتاج الأفران العالية" وإنشاء مصنع جديد لحديد التسليح لإنتاج 750 ألف طن سنويًا، وتطوير المصنع الحالي في الأساس عبر تطوير الأفران العالية ، وذلك اعتمادا على بيع قطع من الأراضي المملوكة للشركة، بحيث تتمكن الشركة من تسديد مديونياتها بعد تحقيق أرباح نتيجة عملية التطوير، إلا أن الحكومة رفضت السماح للشركة بالتصرف في الأراضي من حيث المبدأ، من منطلق أن تلك الثروة من الأراضي الشاسعة لم تخصص في الأساس لصالح الشركة إلا لاستغلالها في الأنشطة التشغيلية من قبيل بناء مصانع مثلًا، فى الوقت الذى قررت فيه الدولة حاليآ بيع قطع الاراضى المملوكة للشركة من أجل سداد مديونيات الشركة من مستحقات الغاز الطبيعي والكهرباء والبالغة خمسة مليارات جنيه، تبعًا لمحضر اجتماع الجمعية العامة غير العادية للشركة في نوفمبر الماضي.
وتمتلك شركة الحديد والصلب، أصولاً ضخمة غير مستغلة، منها أراضٍ ضخمة تصل إلى 790 فداناً بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فداناً وضع يد بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فداناً مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام 1979، وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان من نتيجة تسوية نزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية "كيما"، بالإضافة إلى كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن، بالإضافة إلى جبل التراب الذى يحتوي على خردة تقدر بـ700 ألف طن، قدّرها وزير قطاع الأعمال في سبتمبر 2019، بنحو 5 مليارات جنيه (310 ملايين دولار).
وتأسست شركة الحديد والصلب في يونيو عام 1954، وأسهمت في بناء حائط الصواريخ التي شيدته القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، وكان لها دور كبير في بناء جسم السد العالي الذي شيدته القاهرة منتصف القرن الماضي".