أهم الأراء
آثار وتداعيات الحرب التجارية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد المصري
مما لا شك فيه أن التطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الاقتصاد المصري، وقد شهد العالم خلال الفترة الماضية حدثين مهمين قد يؤثران على الاقتصاد المصري بدرجات متفاوتة وتختلف درجة التأثير طبقا لما ستسفر عنه الأحداث خلال الفترة القادمة
يتمثل الحدث الأول في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبالطبع هناك أسباب كثيرة ومتعددة لقيام ما يطلق عليه بالحروب التجارية بين الدول بوجه عام وبين الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول على وجه الخصوص، ويدور أغلبها حول التنافس على المصالح الجيوسياسية ورغبات الهيمنة والنفوذ العالمية، كما قد تلجا بعض القوى الفاعلة في النظام الدولي الى هذا النوع من الصراعات كنتيجة طبيعية عند شعورها بتراجع او انهيار منظومتها الاقتصادية ما يدفعها الى اللعب بهذه الورقة لإعادة التوازن أو لتقليص الفجوة في القوة الاقتصادية المواجهة أو لتضييق الخناق على اقتصاد الدول المنافسة او لحماية ما تبقى من مصالحها الاقتصادية المهددة من قبل القوى الناشئة، وهو ما يحدث الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين منذ عام 2016 حتى الآن، وقيام كل دولة بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الدولة الأخرى، وما زالت نتائج تلك القرارات وردود الأفعال المتبادلة عليه مستمرة حتى يومنا هذا، وهو ما سيؤثر على الاقتصاد المصري بدرجة طفيفة في الوقت الحالي ولكن في حال استمرار وتفاقم الصراع فإنه قد توجد بعض الآثار السلبية على المدى الطويل إلا أنه في الوقت نفسه فإنه يمكن لمصر الاستفادة من تلك الحرب وجذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة الصينية إليها
أما الحدث الثاني فيتمثل في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يكون لهذا التصويت أثراً سلبياً على النمو في بريطانيا في المدى القصير على الأقل، وقد يدفع البلاد نحو الركود، كما أنه قد يدفع بنك إنجلترا المركزي إلى خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، واختبار مدى استعداد الدائنين للاستمرار في تمويل عجز الموازنة البريطانية. وهو ما سيودي إلى التأثير على الاقتصاد المصري حيث ترتبط مصر بعلاقات تعاون اقتصادي متميزة وتُعد بريطانيا أحد أكبر الدول المستثمرة في مصر
من منطلق ما سبق فمصر في حاجة شديدة لزيادة دعم إنتاج السلع التصديرية، وأن يتعافى إنتاجها بشكل سريع لاستغلال الفرص التي أتاحتها هذه الأزمة التجارية، وحتى تتمكن من اختراق تلك الأسواق بشكل أكبر خاصةً في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية، كما تحتاج إلى إحكام الجودة والالتزام بالمعايير المطبقة بتلك الدول خاصة فيما يتعلق بالسلع الغذائية كالفاكهة والحبوب. وعلى جانب آخر تعظم استفادة مصر من فرض تلك الرسوم، عن طريق تصدير منتجات بديلة للاتحاد الأوربي نظراً لقرب المسافة ووجود سوق تصديرية بالفعل، ولكن مصر لن تكون وحدها في التنافس على الطلب بالسوق الأوروبي
ان إصرار الولايات المتحدة على فرض رسوم وقائية يُمكن أن يدفع العديد من الأسواق الناشئة إلى تبني سياسة تجارية وقائية هي أيضا في محاولة للتحوط ضد فرض رسوم إغراق من قبل الصين، الأمر الذى سيدفع العديد من الصناعات الصينية إلى إنشاء استثمارات ذات تعريفة جمركية مرتفعة بشكل كبير في الدول المذكورة، وتوفير تدفقات إضافية من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الأخيرة، مع فتح قنوات التجارة مع الطرف الأول. وما يؤكد ويثبت إمكانية وقوع هذا السيناريو هو مساعي الصين الحثيثة لإنشاء مدينة للغزل والنسيج في مدينة المحلة المصرية من أجل الاستفادة من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة أو "الكويز" الخاصة في مصر، والتي ستمكنها من تصنيع الملابس والمنسوجات وتصديرها للسوق الأمريكي بدون رسوم بشكل كامل وبالتأكيد سيكون هذا في صالح الصناعة المصرية فهذه المدينة الصناعية ستوفر آلاف فرص العمل للمصريين، كما أنها ستساهم في تحسين الميزان التجاري المصري، وستطور القاعدة الصناعية المصرية، والصادرات المصرية أيضاً، كما أن عدد آخر من الدول سوف يحذو حذو الصين في إقامة مصانع لها خارج أراضيها للالتفاف على رسوم الإغراق التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول الصناعية الكبرى خاصة وأن هناك مساع حالياً لاستثناء مصر من هذه القرارات. ولكن يجب الحذر وتشديد الرقابة لمنع استغلال حاجة مصر لزيادة الصادرات واتخاذها كمعبر لتصدير منتجات دول أخرى سواء للولايات المتحدة أو السوق الأفريقي الذي ترتبط به مصر بعشرات الاتفاقيات التجارية التي تجعله سوقا كبيرة للمنتجات المصرية أو التي تصنع في مصر من قبل الشركات الأجنبية
ستؤدي هذه الاجراءات لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين مما يستدعي الترويج لاستخدام السوق المصرية كمحطة لإنتاج وتصدير المنتجات البريطانية بالأسواق الإقليمية والعالمية، وذلك في ظل تطلع الشركات البريطانية إلى استغلال إمكانيات وموارد مصر للتوسع والاستثمار داخل القارة الإفريقية والشرق الأوسط، مع التركيز حاليا على أسواق دول غرب أفريقيا للاستفادة من الفرص التصديرية الضخمة المتاحة بأسواق هذه الدول مع تحديد الفرص الاستثمارية في القطاعات المستهدفة واستهداف الشركات العاملة في تلك القطاعات ودعوتها للاستثمار في مصر من خلال تنظيم حملات ترويجية .