أهم الأراء
الصراخ الإعلامي
ما يحدث الآن في أغلب القنوات التليفزيونية المصرية، وما يتعرض له المواطن المصري من أغلب وسائل الإعلام لا نستطيع أن نطلق عليه سوى «صراخ» لا يترك المشاهد إلا مشوشًاً، وفي الأغلب دون فائدة حقيقية لما كان يشاهده.
وأتحدث بالأخص عن حالة الهرج، التي حدثت في تناول معظم القنوات التليفزيونية قانون التظاهر بعد أن وافقت عليه الحكومة الحالية لأهميته، للحرب على الإرهاب، وحدث الصدام بين الشرطة والمتظاهرين، الذين نددوا بالقانون، وأصروا على كسره مؤمنين بأنه يحتوى على كثير من المواد، التي تقمع حرية الرأي والتعبير.
وطبقًا لنظرية ترتيب الأولويات، أو وضع الأجندة، أصبح قانون التظاهر من أهم المواضيع، التي تشغل الرأي العام، بسبب اهتمام وسائل الإعلام به، وتسليط الضوء عليه، ولكن المشكلة أننا وجدنا اهتمامًا بفكرة وجود القانون، وليس اهتمامًا بمضمونه، ووجدنا فريقين: الأول يحاول إقناع المشاهد بقبوله رغم القيود، التي به بحجة الحرب ضد الإرهاب، والثاني ينتقد من الأساس فكرة وجود قانون ينظم عملية التظاهر، مؤكدًا أنه سيزيد من درجة القمع، وسيقضي على حرية الرأي والتعبير، والفريقان تناولا، كما ذكرنا، الفكرة وليس المضمون.
فكان على البرامج الحوارية توضيح أن قانون تنظيم التظاهر يوجد في كل الدول الديمقراطية حتى لا تقوم أطراف أو جماعات باستخدام المظاهرات في إثارة الفوضى، وترهيب المواطنين، كما أن هناك إيجابيات في هذا القانون مثل حظر الاجتماع العام لأغراض سياسية في أماكن العبادة أو ساحاتها، أو تسيير المواكب منها أو إليها، وحظر حمل أي أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات، أو ألعاب نارية خلال التظاهر (وهذا هو السبب، الذي راح ضحاياه العديد منذ اندلاع الثورة)، ولكن توجد مواد متشددة على الوجه الآخر. مثال على ذلك المادة السابعة، التي تمنع إضرابات العمال السلمية بحجة تعطيل الإنتاج، وهو حق أصيل للعمال، كما تنص المادة التاسعة على أن كل من يريد التظاهر له الحق في التظلم إذا رفض طلبه، وضرورة إصدار قرار من المحكمة على وجه السرعة (دون تحديد مدة زمنية محددة، فالسرعة نسبية من شخص لآخر)، والمادة الثامنة التي تتطلب عند تقديم طلب بالتظاهر أن تسلم أسماء الأفراد وصفاتهم، ومحال إقاماتهم ووسائل الاتصال بهم، مما يثير بعض المخاوف لدى المتظاهرين في نية الحكومة القبض عليهم. هذا على عكس قانون التظاهر في أمريكا، الذي يكتفي فيه القائمون على التظاهرات بالاتصال المباشر لأقرب جهة أمنية للمكان المزمع التظاهر به.
وأغفلت تلك القنوات (إلا القليل منها) أن دور الإعلام الرئيسي هو تثقيف وتوعية المشاهد سواء بقانون التظاهر أو بغيره، وحتى إذا كانت منحازة فعليها تقديم ما يبرر انحيازها، لكنها للأسف اكتفت بالحديث عن القانون بشكل عام، واستخدام عبارات براقة مثل «الحفاظ على الأمن القومي»، و«القضاء على الإرهاب»، أو إذا كانت معارضة للقانون، فكانت هناك عبارات «انتهاك حقوق الإنسان» و«سلب حرية الرأي والتعبير». فالانحياز أمر طبيعي، لأنه لا يوجد ما يسمى الحيادية الكاملة، ولكن يوجد ما يسمى الحرفية. فلم أجد تحليلًا موضوعيًاً لمواد بعينها سواء كانت مؤيدة أو معارضة أو مقارنة بين مميزات قانون التظاهر ومساوئه، خاصة على المواد التي عليها خلاف من قبل القوى الثورية والوطنية، أو عمل استفتاء لقياس درجة تأييد الجمهور، أو رفضه له. أتمنى أن تقدم وسائل الإعلام المختلفة شيئا يحترم عقلية المشاهد، ويسمح بالحوار، وقبول الرأي المعارض خاصة في تناول مواد الدستور، الذي انتظرناه وقتًا طويلًا، وراح فداه الكثير حتى يكون لدينا دستور يضمن للمواطن المصري حقه في عيشة كريمة.