أهم الأراء
"خلف الكشك الخشبي"
الكشك الخشبي الضيق ، طابور الفتيات الصغيرات اللائي يرتدين فساتين وجلابيب بيضاء ، أصوات الذاكرين تعلو على صراخهن خلف القضبان الخشبية فلا يصل إلى مسامعي اللاهثة منها شيء، الأمهات المترقبات والحوارات المترددة .
لعامين متتابعين أمر بالمشهد نفسه أثناء زيارتنا السنوية لمولد سيدي ابوالحسن ، هكذا أسمع أمي تطلق عليه ، تتشبث أصابعي الصغيرة بكفها وأتساءل عما تفعله هؤلاء الصغيرات وما يدور بين جنبات الكشك ، يلوح شبح ابتسامة على ثغر أمي وتجيب باقتضاب
" كبروا بقى..عقبالك"
فتثير إجابتها في نفسي أسئلة أكثر، تسارع هي بملاحقتها قبل أن تولد على شفتي.
سوف أقف معهن يوما وأرتدي فستاني الابيض وسوف تأتي خالتي من البلدة خصيصا لزيارتي ، ومعها بطة مسلوقة وكسكسي ...وستكون أكبر قطعة في البطة من نصيبي ..هكذا وعدتني أمي .
صرت أمر على طابور الفتيات مبتسمة ..متى يحين دوري لأقف بينهن وتنفذ أمي وخالتي وعدهما.
اليوم أتممت العاشرة ، وبلغت نصاب طابور الفتيات ، أقترب ومعي أمي لأقف في الصف ، لكن ما لهن يبكين بخوف متوسلات إلى أمهاتن الا يدخلن الكشك ؟
ساورني القلق فاختفت ابتسامتي وتصلبت عيناي على مدخل الكشك الذي تسده ستارة سميكة تخفي ما يدور داخله ، ولأول مرة تصل إلى أذني صرخات وتوسلات من دخلت، أنظر الى أمي برعب فتطمئنني بقلق لا يغادر عينيها .
ارتفع صوتي بالبكاء ، طلبت منها أن تعيدني إلى البيت فما عدت أريد البطة والكسكسي ، وما عدت أريد رؤية خالتي نفسها .
" متخافيش ..كل البنات الحلوين لازم يتطاهروا"
قالتها أمي ورددتها تلك المرأة السمينة الواقفة إلى جوار فراش صنع من أقفاص الفاكهة ووارت خشباته مرتبة مهترئة ، بينما اكتفت امرأة أخرى أقل منها حجما بهز رأسها مؤمنة .
أهذا كل ما يوجد خلف تلك الستارة ، فلماذا إذن خرجت الفتيات قبلي ملوثة ملابسهن بالدماء ؟
وفجأة حملتني المرأة السمينة وطرحتني فوق الفراش بحزم ، ثم نظرت إلى الأخرى نظرة ذات مغزى ، وأمرتني في لهجة حاسمة بأن أخلع ملابسي السفلية ، التفت إلى أمى بهلع فأشارت إلىّ بأن أفعل وهي تجاهد لتبدو هادئة .
هجمت عليّ المرأة الأخرى وفرقت بين فخذي وكبلت ساقي بكلتا يديها لتجبرني على فتحهما ، واقتربت السمينة حاملة زجاجة و مقصا صغيرا بدا لي بلمعته تحت ضوء متسلل من فتحات الكشك كنصل سكين كبير ، اقتربت مني وهي ترسم على وجهها ابتسامة صفراء .
أغلقت عيني وانهرت في الصراخ وأنا لا أدرك ماذا ستفعلان بي ..بل ماذا سيفعل بي ذلك المقص .
أمسكت بذراع أمي التي اقتربت مني لتكبل يدي، عدت أتوسل إليها أن تنقذني فأشاحت بوجهها عني مخفية دمعة خانت عينيها.
أحسست بسائل يرش عليّ ، فتحت عيني لأبصر أصابعها القابضة على المقص تدنيه مني وكأنها أسد جائع يكشر عن أنيابه ويبغي التهامي .
حاولت التملص فعاجلتني بصفعة قوية جعلتني أرتد مستسلمة ، ولم تكد تمر ثوانٍ حتى شعرت بألم شديد وكأن أحدهم ينتزع عيني .
هذه المرة شاركتني أمي الصراخ هاتفة بالمرأة :
_ كل ده دم ..بنتي بتنزف.
صاحت بها المرأة ذات المقص بعنف قائلة :
_ متخافيش ..ده من كتر خوفها وهيقف حالا.
لم تقتنع أمي بقولها فراحت تندب حظي العاثر بينما راحت المرأتان تقصفان عليّ من قطع القطن دون فائدة ، حتى صرخت احداهما بأمي أن تتصرف في قطعة قماش كبيرة لإيقاف سيل الدماء ، التفتت امي حولها في حيرة ثم راحت تخلع عباءتها وتمزقها لقطع كبيرة لتضعها المرأة فوق جرحي .
كم مر من الوقت حتى توقفت الدماء ..لا أدري ..فقد حاولوا جعلي أقف على قدمي بعد أن لفوا الكثير من القماش حولي هاتفة بي إحداهما وهي تتنفس الصعداء :
_ الحمدلله بقيتي كويسة ..بس ابعدي رجليكي عن بعض وانت ماشية .
ثم أشارت إلى أمي إشارة حاسمة فدست في يدها بعض النقود.
ربتت أمي على كتفي وبعينيها مازالت ترقد الدموع ، حدجتها بنظرة لائمة فتمتمت مرددة:
_ معلش ..كل البنات الحلوين لازم يتطاهروا.