ملفات وحوارات
شوارع بـ«رائحة البارود» وذعر من الأمن والعناصر المسلحة
منازل القرية وقد احترق جزء منها بيوت خاوية على عروشها، يكسو السواد جدرانها، محتوياتها تحولت إلى رماد، تركها قاطنوها، بعضهم هرباً من مطاردات الداخلية، والبعض الآخر خوفاً على حياتهم من الاشتباكات الدائرة بين العناصر المسلحة من أبناء قريتهم وقوات الأمن، وقلة منهم ترقد داخل منازلهم التى تقع وسط شوارع ترابية ضيقة، يختفى منها المارة، فيما تختلط رائحة الدخان برائحة البارود فتتعكر السماء. قرية العتامنة، التى تقع شمال محافظة سوهاج، يوجد مدخلان لها، أحدهما رئيسى يطل على طريق «أسيوط - سوهاج» الزراعى، والآخر فرعى من ناحية الجنوب عبر قرية «السبايكة»، ما يقرب من 19 ألف نسمة، بحسب آخر إحصاء لجهاز المركزى لتعبئة والإحصاء فى عام 2008، يسكنون قرية العتامنة التى تمتد على مساحة 800 فدان، نصفها بنايات سكنية، والنصف الآخر أراض زراعية، تختفى معالم الحياة الطبيعية من أروقتها، بينما تصل مساحة جزيرة العتامنة، التى تعتبر امتدادا للقرية، وتطل على النيل إلى 500 فدان، معظمها أراض زراعية، تنتشر فيها مزارع الموالح والرمان وعدد محدود من بيوت الأهالى. تعود بداية الأحداث إلى ظهر يوم الأربعاء، الموافق 14 أغسطس الماضى، وتحديداً بالتزامن مع فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة، حيث احتشد المئات من أهالى القرية ذوو الأغلبية المؤيدة للرئيس المعزول، فى مسيرة ضخمة تطوف أرجاء القرية، وبمجرد وصول المسيرة لنقطة الشرطة الموجودة وسط القرية، قام المشاركون فيها بإخراج الضابط المسئول وجنوده، بعد تجريدهم من سلاحهم، بالاستيلاء عليه، ثم أشعلوا النيران فى محتوياتها، بالإضافة إلى ثلاث سيارات تابعة للشرطة كانت توجد بالقرب من النقطة. القرية التى تصنف ضمن «أفقر القرى فى مصر»، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الوزراء، فى شهر أبريل من العام الماضى، أصبحت خارج السيطرة الأمنية، حيث وضعها التقرير الرسمى ضمن أفقر 66 قرية بمحافظة سوهاج تدخل ضمن الـ 100 قرية الأولى بالرعاية على مستوى الجمهورية، وفى ظل الغياب الأمنى تحولت القرية إلى أكبر تجمع للمسيرات المؤيدة للرئيس المعزول على مدار الثلاثة شهور الماضية، منذ أحداث ثورة 30 يونيو، لم تغب عنها المسيرات التى تندد بـ«الانقلاب» كما يسمونه فى تظاهراتهم اليومية. موسى سالم، أحد أبناء القرية، يتحدث عن الأوضاع القائمة فيقول «60% من سكان القرية من أنصار التيار الإسلامى، وأغلبهم من عائلة العواضى»، موضحاً أن القرية تضم العديد من التيارات الإسلامية المختلفة، خصوصاً الجماعة الإسلامية والإخوان، يضاف إليهم المتعاطفون معهم من أهالى القرية، بسبب العداء القديم بين أهالى القرية والأجهزة الأمنية، يضاف إلى ذلك أن مركز طما الذى تتبعه القرية إدارياً وجغرافياً من أكبر مراكز محافظة سوهاج المؤيدة لمرسى والإخوان، حسب مؤشرات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية. لتتحول شوارع القرية إلى تجمع للتظاهرات المناهضة للنظام الحالى وأركانه، القادم من رحم ثورة 30 يونيو، تحرص فضائية «الجزيرة» على نقلها على أنها تعم محافظة سوهاج، حسب وصف «موسى»، لكنها فى الحقيقة قرية صغيرة، وعدد المتظاهرين فيها يقدر بعشرات المئات وقد يتجاوز الآلاف فى يوم الجمعة. «معلومة وصلت إلى مديرية الأمن مفادها، تحرك أحد أبرز المتهمين باقتحام نقطة شرطة العتامنة على الطريق العمومى بصفة شبه يومية أثناء عودته من عمله، وقامت على أثرها قوات الشرطة بمراقبته» يتحدث أحد القيادات الأمنية التى تتمركز على المدخل الرئيسى للقرية، ويواصل قائلا إن الشرطة تمكنت من إلقاء القبض على المتهم أثناء عودته من عمله، وهو يدعى عزازى عبدالعواض 44 عاماً، يعمل موظفاً بمستودع «أولاد إلياس» أثناء استقلاله دراجته النارية، وتم ضبطه واقتياده إلى مركز شرطة طما. يستكمل القصة طه عصام، أحد أبناء القرية، الذى يقول إنه شاهد بعينه ما حدث، مؤكداً أنها كانت بداية التصعيد والتوتر بين قوات الأمن وعائلة العواض «بمجرد علم أشقاء عواض وأبناء عمومته بالقبض عليه طالبوا قسم شرطة طما بالإفراج عن شقيقهم، مؤكدين لهم أن الرد سوف يكون قاسياً، مرت الساعات المصحوبة بالحذر والتوتر، تبعتها ساعات الليل، وانتظار عائلة العواض لتنفذ وعدها فى صباح اليوم التالى، قرص الشمس يحتل مكانه فى كبد السماء، يتسلل عدد من العناصر المسلحة على الطريق العمومى «سوهاج - أسيوط» فى انتظار هدفهم الذى حددوه مسبقاً، دقائق تمر وتظهر من بعيد سيارة «مكتب بريد طما» محملة بالمرتبات والمعاشات، تسير خلفها سيارة شرطة بهدف تأمينها، يصوب المسلحون أسلحتهم تجاهها، على طلقات الرصاص المتواصلة والتى تنطلق من أسلحتهم الآلية تجاه سيارة الشرطة يتم قتل أمين شرطة يدعى حمدى أحمد من قرية المدمر، التى تبعد عن العتامنة بـ 10 كيلو مترات، ويصاب أمين شرطة آخر يدعى عبدالحميد محمد على، من مركز طما. إثر الهجوم فى صباح اليوم التالى، حملة مكبرة من قوات الأمن بالمحافظة، تقوم بمحاصرة القرية منذ صباح الأحد الماضى، لا تزال عملية تمشيط شوارع القرية مستمرة حتى الآن. يؤكد سعد سالم أنه فور وصول قوات الشرطة، استقبلها المسلحون من أهالى القرية بإطلاق النار من فوق المنازل، تبادلت قوات الشرطة معهم إطلاق النار، واستخدمت بعض الطلقات الحارقة، والتى نتج عنها اشتعال النيران فى بعض المنازل الخاصة بكل من حشمت عبدالعواض، وعلى إسماعيل حسن الأطرش، ومحمد عبدالعواض، وألهم عبدالعواض، ومحمود عبدالعواض، وعز الدين، ومحمد، وكمال، وأحمد، وطلعت مصطفى عبدالعواض، وعبده بكر، والحسينى فكرى السمان وجميعهم من المطلوبين أمنياً. وتمكنت قوات الشرطة من قتل أحدهم، الذى كان يطلق النار متخفياً فى حدائق الموالح، مما دفع قوات الأمن إلى التعامل معهم، وقتل أحدهم ويدعى «محمد مصطفى عبدالعواض»، والذى تعتبره مديرية الأمن «المتهم الرئيسى» فى مقتل أمين الشرطة، وتمكنت قوات الشرطة من السيطرة على القرية، بينما ما زالت منطقة الجزيرة تحتاج إلى عملية تمشيط سوف تتم خلال الأيام القادمة، كما أكد الرائد أحمد سمير، مدير مكتب المعلومات والعلاقات العامة بمديرية أمن سوهاج، أن الحملة سوف تستمر أسبوعاً كاملاً بالقرية، لضبط الوضع الأمنى وإلقاء القبض على المطلوبين أمنياً والخارجين عن القانون.