أهم الأراء
انتظار !!
اعتدت أن أسهر فى محل الورد الخاص بى، والمقابل لشاطئ البحر حتى الصباح من أجل أن أرى لحظة شروق الشمس ،منذ اليوم الأول وهو يأتينى كل صباح يشترى وردة حمراء ،هذا الرجل العجوز الذى شغل المدينة كلها بحديثه يداول الناس سيرته براويات مختلفة لعله مجنون ،يقول أشياء غير معقولة ،يتصرف كأنه شاب ،يجلس مدعيا أنه ينتظر فتاة أتصلت به البارحة.
يأخذ الوردة منى ثم يدلف إلى الجهة المقابلة ليجلس على صخرته المفضلة أمام البحر حتى تلفحه الشمس ولا يتركها إلا للذهاب إلى المحل الذى يجاورنى ليشترى لقيمات ليأكلها وهو يراقب الصخرة فاقدا تركيزه الكامل لكل ما يفعل ،ثم يجلس على المقهى المجاور لذات المحل ويتحدث مع الحاضرين ستأتي اليوم أتصلت بى البارحة ثم يخاطب صاحب المقهى ضع لى فيروز وأطلب لى فنجانى قهوة .
وكما قيل أنه فقد عقله يتخيل أشياء لم ولن تحدث وأحدهم قال أنه يعتقد البارحة منذ ما يقرب من أربعين عاما ،صدق من قال فى داخل كل إنسان حياة أخرى ،عالم آخر بعيد عن عالمه المحيط به طبعت به ذكريات .أحلام .أوجاع .والألم والأمل معا
أترقبه،أتابع نظراته .ألمه البعيد وأنا عاجز عن كتابة كلمه تصفه ،أذهب وأجئ لأجلس ساعات مقابلة له لا أستطيع أن أقترب،هل هو شجاع لهذه الدرجة من العظمة ليجلس وحده ساعات وساعات يراقب هذه الشريط من الذكريات؟ومن ينتظر؟أيعقل أنه فقد عقله؟أم أن فقد امرأة يعنى فقد حياة بأكملها؟
ها هو يجلس وحده وهو يراقب الناس من حوله ولا يمل الانتظار ولا يقطع الأمل.فى الفترة الأخيرة قررت أن أقترب منه لألتقط طرف خيط لأبدأ روايتى الجديدة ،ها هو صباحى العاشر وفضولى يدفعنى إليه اقتربت طلبت منه أن يسمح لى بالجلوس،لم يرفض كعادته لكنه لم يتكلم وبإبتسامة خفيفة نظر إلى وحرك رأسه بنعم ،سحبت الكرسى وجلست وهو يراقب الصخرة البعيدة وفى عينيه ألف دمعة وابتسامة جلست صامتا على الرغم من قدرتى أن اصطنع عبارات أبدأ منها حديثا لا أعرف ماذا سأقول فيه، قلت أخيرا أجلس مقابل وحدتك لكننا لم نتكلم.نظر نحوى باستغراب ثم قال حقا لم ألاحظ ،ابتسم لماذا تأتى إلى هنا ؟هل رأيتها؟ ابتسمت هذا المكان يروق لى صغير وقديم ويشعرنى بالأمان، أدار وجهه عن عينى،وأخذ الشرود،قلت منذ عشرة أيام وأنا أراقب وحدتك
أراقب هذه الوردة التى تحملها يدك وأتساءل هل تنتظر أحدا؟نظر مجددا باستغراب يختلط بألم نحوى وقال أنتظر شبابى الضائع يابنى ،زرعتها غصنا يرتوى من دمى ،ويكبر ببطء فى داخلى حتى سيطرت على كامل قواى، كثيرا رددت أمامها لن أنساك ما دمت حيا ،وكيف أنساك وأنت فى داخلى وبالفعل لم أنسها،لا تزال تزهر وتزهر وترتوى من شبابى ،كنت أكلمها وأقول لها هل تعيشين بسعادة داخلى ؟كنت أخاف أن تضايقها نبضات قلبى،يابنى منذ ما يقرب من أربعين عاما وأنا أنتظرها،مر العمر .ضاع الشباب ،تعايشت مع الانتظار وما زلت أربط المنبه على السابعة صباحا كما وعدتنى أن نلتقى ونجلس هنا ،أعلم أنك تتساءل كيف لم أيأس؟
فى كل صباح يأتى صوت المنبه مع كلماتها أنتظرنى فى السابعة صباحا أشتر لى وردة فأنا أعشق الورد ولا تنس فنجان القهوة ومع صوت فيروز ،فأستيقظ بلهفة الحب التى لم تختلف منذ سنين أتعكز على حلمى وأذهب،أنتظر وأنتظر أطلب من صاحب القهوة أن يضع لى فيروز لعلها تحن كحنينى وتأتى
أفعل ذلك منذ أعوام طويلة ولم تأت لكنها لم تخلف موعدها قالت لى ستأتي صباحا أو مساء لا يهم ،سيطر الاندهاش على كلماتى وغلب البكاء على قلبى،عجوز مسن ونبضه لا يزال بعمر الشباب ينتظر ويعتقد أنها ستأتي ماذا يجب على أن أقول له؟
هل ستبقى باتتظارها؟
سأبقى بانتظارها ما دمت أستطيع أن أتعكز وآتى إلى هنا
ألن تيأس؟
عمرى مضى ولم أيأس.
آتى وكأنها المرة الأولى ،ثم أعود إلى منزلى مساء بخيبة وحرقة والسؤال يجيبنى يا ترى لماذا لم تأتي؟
اتصلت بى البارحة وقالت إنها ستأتي، أيعقل أنها لن تأتى؟
ألتفت وكأنه يرانى للمرة الأولى وقال من أنت ؟ لماذا تجلس معى هنا ؟هل رأيتها ؟هيا ابتعد من هنا ،لعلك أخذت كرسيها دعنى أنتظرها وحدى وارحل ،ابتعدت رويدا رويدا ،لم أنطق ،لم أبك ،ولم يدخل اليأس قلبى ،لعله فقد عقله لكن قلبه ملئ بها لعلها تأتى.