أهم الأراء
«بوضوح» إذن.. فلتسقط الثورة!
«محمد عبدالعاطي»، شاب مصري بسيط، كان علي بعد خطوات من الحصول علي لقب مهندس.. فقد كان في السنة النهائية بكلية الهندسة.. وكان قلبه يتراقص فرحاً كلما تذكر أنه أخيراً بات علي أعتاب تحقيق حلم والده، الذي رحل خلال رحلة كفاحه الشاقة وهو يصل الليل بالنهار ليري محمد مهندساً..
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. وفجأة وبلا سابق إنذار يسقط محمد صريع مرض خطير, قبل أشهر من امتحانات البكالوريوس.. وبعد رحلة بحث وفحوص طبية مريرة لأكثر من ثلاث سنوات.. تكون الحقيقة القاتلة المؤكدة لأسرة محمد، فالمرض خطير ونادر وعلاجه باهظ التكاليف لا تقوي عليه الأسرة التي باعت كل ما لديها من أجل علاجه، وتموت أمه خلال رحلة علاجه ولم يبق له سوي شقيقته التي كرست عمرها وشبابها ورفضت الزواج من أجل رعاية شقيقها الأصغر وعلاجه، ولم يصبح لها شيء في الدنيا سوي عملها البسيط الذي يعينها علي الحياة ومصاريف شقيقها.. ومر عامان علي موت الأم والحمل يثقل والأمل في شفاء محمد يتراجع.. إلي أن ساعدها بعض أصحاب القلوب الرحيمة لتصل إلي إدارة العلاج علي نفقة الدولة في وزارة الصحة، علها تجد الطريق لعلاج أخيها الأصغر الذي تدهورت حالته أمامها، وبات لا يقوي حتي علي الحركة، أو خدمة نفسه وبدأ جسده النحيل يتضاءل بشكل مخيف.
لكن بدلاً من أن تجد هذه الشقيقة المكافحة الرحمة والأمل في وزارة الصحة، وجدت الحسرة والرد الذي قضي علي أي أمل كان داخلها في تخفيف آلام شقيقها الذي يصرخ طوال الليل أمام أعينها ولا تقوي علي عمل شيء له.. فقد أخبروها أن مرض محمد نادر جدا وغير متواجد تخصص طبي له في مصر، والأمل الوحيد في سفره للعلاج في الخارج.. ولكن هذا الأمر يتكلف الكثير والوزارة لا ميزانية لديها لإرساله للعلاج في الخارج.. بس هي تقدر علي العلاج في الداخل - علي حد قول موظف الوزارة لها - وخرجت شقيقة محمد وقدماها لا تقويان علي حملها.. فأين لها من هذه المبالغ لإنقاذ شقيقها الشاب وهي مشرفة بسيطة بإحدي المدارس، وراتبها بالكاد يعينها علي حفظ ماء الوجه.. وكفا ما تلاقيه للحصول علي العلاج الذي يكلفها الآلاف شهرياً من الجنيهات يشاركها في تدبيرها ذوو الرحمة من المقربين لها، ويعرفون الحمل الثقيل الذي تحمله صابرة راضية، مؤمنة برحمة الله وأملها في شفاء شقيقها.
الأطباء يعالجون حالة محمد علي أنها شبيهة بالسرطان، فهو الأقرب لتشخيص حالته التي لا علاج لها في مصر.. وطبعا علاج هذه الأمراض يكلف فوق طاقة أي أسرة مصرية.
محمد كان ينتظر ثمار الثورات التي قام بها المصريون، ويصبح للفقير حق في العلاج في الخارج أو الداخل.. لكن للأسف قامت ثورة ووراءها أخري، والتغيير الوحيد الذي حدث أن الشعب المصري كله اصبح خبيراً سياسياً، من سائق التوك توك، إلي الطبيب الذي ترك واجبه الأول، وتفرغ لحديث السياسة.. والتناحر والتباري علي الفضائيات، أصبح الشعب المصري كله لا يعرف طريقاً إلا طريق التظاهر، والاعتصام، والإضراب، فمن يسقط شهيداً في المظاهرات يترك لأهله الألم والحسرة ويصبح اسماً معروفاً مكرماً لدي المصريين، وأيضا التعويض المادي من الحكومة وهذا حقه وأقل، أما من يصاب في المظاهرات فيجد كل المواساة والرحمة من المصريين وتعوضه الحكومة ايضا بمبلغ مالي، وهذا أيضا حقه.. لكن من يمرض ويتعذب بإرادة إلهية وقدر رباني.. لا يجد من ينظم الوقفات من أجله، ولا يجد من يتحدث عنه في الفضائيات، ولا يجد حتي ثمن العلاج وتتركه حكومته العاجزة الفقيرة - بالنسبة له فقط - ليتعذب ويتألم سنوات ويترك الحياة دون أن يشعر به أحد، إذا كانت الثورات لا تنصف هؤلاء ولا تنتفض من أجلهم، وإذا كانت الثورات لا تنتفض ولا تقوم من أجل إنقاذ الفقير وتعدل بينه وبين الغني.. وإذا كانت الثورات لا تقوم من أجل تعليم أبنائنا الرحمة والخلق واستخدام علمهم في خدمة وطنهم وأبنائه البسطاء.. وإذا لم تنتفض الثورات من أجل القدوم بحكومات تجعل العلاج والتعليم حقاً متساوياً بين أبناء الشعب الواحد.. إذن فلتسقط الثورات!
[email protected]