أهم الأراء
خطيئة البرلمانى والمختلط
طال الجدل عن أى الأنظمة أحق أن يتبع؟ بدا الأمر منحصراً بين رغبات العجائز ومراهقة الصغار، إذ يقولون جربنا النظام الرئاسى وشاهدنا ما جرى. لم تكن مصر فى أى وقت «جمهورية رئاسية». كان نظامها السياسى بعد ثورة 1952 نظاما أقرب إلى الأنظمة القديمة، التى يخلد فيها الحاكم ولا يخرج إلا بالموت. كان نظاما «عشوائيا»، فالشعب المصرى لم يختر محمد نجيب رئيسا، وكذلك «جمال عبدالناصر». كان هناك مجلس قيادة ثورة يعين من يشاء ويعزل من يشاء. عبدالناصر اختار السادات نائبا، فجاء رئيسا، والسادات اختار مبارك نائبا فجاء رئيسا. الشعب المصرى لم يختر رئيسه بطريقة ديمقراطية سليمة. مرسى، وإن جاء منتخبا، إلا أنه كان رئيسا مرؤوسا وخادما لجماعة وليس شعبا. نحن لم نجرب النظام الرئاسى لكى نقول إننا نريد نظاما برلمانيا أو مختلطا «نصف رئاسى» أو شبه رئاسى. النظام البرلمانى كان رغبة «إخوانية» منذ 25 يناير. كان هذا واضحا بإعلان الجماعة، مرارا وتكرارا، أنها لن تقدم مرشحا رئاسيا، وكان البعض يعتبر ذلك تضحية كبيرة ودلالة مهمة على «زهد» الجماعة فى الحكم. لم يكن هؤلاء المتعاطفون يدركون أن «الجماعة» تخطط لشىء آخر، يمنحها السيطرة على كل السلطات، بل تريد الحصول على السلطتين التشريعية والتنفيذية بحجر واحد، بعد فوزها بالرئاسة فأرادت نظاما مختلطا، اعتقادا أن هذا النظام يمنحها شكلا ديمقراطياً وقبضة حديدية على الدولة. نعلم أن أسوأ الحكومات هى تلك التى تسمى «الائتلافية»، لأنها تُشكل من كتل متباينة ومتعارضة، ولذلك فإن كل كتلة تسعى لإظهار معارضتها أو إبراز دورها لتحقيق مصالحها الضيقة، فضلا عن أن هذه حكومات يغيب عنها الاتفاق ويكثر فيها الخلاف، ويتسبب ذلك فى إعاقة عملها تماما، وغالبا لا تكمل مدتها. الأخطر أن هذه الحكومات تحدث فرزا طائفيا فى كثير من البلدان، كما فى لبنان والعراق، لدرجة أن «الطائفة» فى مواقف كثيرة تعلو على الوطن وتصبح مصالح الطائفة أو الجماعة أهم من مصالح الوطن. لذلك يشتد الصراع على أساس دينى وليس سياسيا، وسيصنف الوزراء وفقا لانتمائهم، بين «مؤمن وكافر»، وستتوارى معان مهمة، إذ سنقول فلانا من جماعة كذا بدلا من فلان «رجل وطنى»، أو فلان رجل دولة، أو فلان لديه القدرة على العطاء، وسنعمل بمنطق «الأقربون أولى بالمعروف»، وستكون الوزارات بـ«الترضيات» وليس بالكفاءات. النظام المختلط لا يتمثل بصورة صحيحة إلا فى فرنسا، التى طبقته منذ 1962. ونجاحه يعود إلى وجود جبهتين سياسيتين هما: اليسار واليمين، إحداهما تشكل الحكومة وفقا للأغلبية البرلمانية التى تحصل عليها. وكما نرى ففى مصر تيارات متعددة وأحزاب كثيرة وجماعات متعارضة ومتناقضة، تحول دون التطبيق الأمثل للنظام «نصف الرئاسى» أو «المختلط». النظام المختلط سيعوق حركة العمل، وسيعطل التقدم، وسيزيد من الشقاق والخلاف، بسبب تعارض الأفكار وتصادمها، وبالتالى ستتفرغ الحكومات للخلافات مع أننا أحوج ما نكون لحكومة متناغمة ومنسجمة ولا هم لها سوى النهوض بالوطن، لا جماعة تعوقها ولا أفكار سياسية تحرجها. مصر لا يصلح معها سوى نظام رئاسى برئيس شجاع، يستطيع اتخاذ قرارات قوية وحاسمة، ويعمل وفقا لضوابط دستورية وقانونية، ويأتى لسدة الحكم بانتخابات، ويرحل بإرادة الشعب. وتكمن أهمية النظام الرئاسى فى عدة نقاط أهمها: 1- النظام الرئاسى يناسب فترة ما بعد الثورة، لأن الرئيس يستطيع اتخاذ قرارات ثورية حاسمة، بينما لا يستطيع رئيس الوزراء فى النظام البرلمانى اتخاذ أى قرارات إلا بما يتوافق مع كتلته البرلمانية، وميوله الحزبية. 2- معظم التجارب البرلمانية العربية أدت إلى مشاكل كثيرة، خصوصا فى البلدان التى بها طوائف، وعلى سبيل المثال دمر هذا الفكر عراق ما بعد صدام حسين، فـ«نورى المالكى»، وتسبب فى فتنة طائفية وتعطيل جميع فرص التقدم السياسى والاقتصادى فى العراق. 3- كثيرا ما تتغير الحكومات البرلمانية لأسباب كثيرة، منها أن تقع خلافات بين الكتل البرلمانية المشكلة للحكومة، وكثرة تغيير الحكومات فى الدول الفقيرة تتسبب فى مزيد من الخسائر، وتعطيل الحياة. 4- يجب أن يكون البرلمان رقيبا على أعمال الحكومة، وليس شريكا لها، فإذا شكلت الأغلبية حكومتها سيكون من المستحيل محاسبتها أو سحب الثقة منها، وهذا يعنى دمج السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية. 5- يعتقد البعض أن النظام الرئاسى قد يفتح الباب لأن يتحول الرئيس إلى ديكتاتور، لكن هذا لا يحدث فى حال وجود قيود تمنع ذلك مثل تحديد فترة الرئاسة، أو منح البرلمان صلاحيات تجعله يحول دون تفرد رئيس الدولة، وفى مصر تم قصر مدة الرئاسة على فترتين كل أربع سنوات، بما يضمن استحالة طغيان رئيس الدولة. 6- كثيرا ما يكون رئيس الحكومة، فى النظام البرلمانى، أكثر طغيانا من رئيس جمهورية ديكتاتور، نظرا لأن الأول يعتمد على ديكتاتورية الأغلبية التى يراها جون ستيوارت ميل «شرا ينبغى على المجتمع أن يحترس منه». وهذا رأيناه فى تركيا والعراق.