أهم الأراء
قراءة في تقرير "ستاندرد آند بورز"
تتوالى الأخبار الجيدة عن التحسن الذي يشهده الاقتصاد المصري في العام الحالي على خلفية التقدم المُحرز في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي. فبالإضافة إلى البيان الإيجابي الذي صدر عن صندوق النقد الدولي بعد اجراء بعثة الصندوق مراجعة إجراءات تنفيذ البرنامج، أصدرت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني وأبقت على تصنيفها الائتماني لمصر عند (B-) مع رفع نظرتها المستقبلية عن الاقتصاد المصري في الأجل القصير من "مستقر" إلى "إيجابية". وهذا التصنيف يدعو إلى نظرة متأنية وشرح مبسط للقارئ.
هناك مبررات لأن تبقي "ستاندرد آند بورز" على التصنيف السلبي. تشمل أبرز السلبيات العجز في الموازنة العامة للدولة على الرغم من التحسن الطفيف حيث تراجع في أول شهرين من العام المالي الجاري إلى نحو 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2% خلال نفس الفترة من العام المالي السابق. كما أن الدين العام المحلي مازال مرتفعا عند مستوى 103% في نهاية العام المالي 2016 -2017 كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك ارتفاع الدين الخارجي حيث بلغ 33.6% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو الماضي، بزيادة قدرها 23.3 مليار دولار ليصل إلى 79 مليار دولار بنهاية يونيو 2017. كذلك أشار التقرير إلى هشاشة البيئة الاجتماعية والاقتصادية بسبب عجز الموازنة ونسبة البطالة والتضخم وحجم الديون نسبة إلى الناتج المحلى الإجمالي، ومعدلات الفائدة المرتفعة.
أما الجوانب الإيجابية التي استندت اليها "ستاندرد آند بورز" فهي تشمل انجاز العديد من الإصلاحات مثل تحرير سعر الصرف، تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، ورفع أسعار الطاقة مرتين، وإصدار عدة قوانين منها قانون الاستثمار الجديد، وقانون التراخيص الصناعية، وقانون الغاز الطبيعي، كما تحقق تحسن في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بالإضافة إلى تحقيق معدل جيد لنمو الاقتصاد في الربع الرابع من العام المالي المنصرم.
كما اشارت الوكالة إلى التحسن الملحوظ في الآفاق المستقبلية لقطاعي الطاقة والتشييد والبناء، وتنفيذ مشروعات بنية تحتية، والمشروعات القومية مثل تنمية محور قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، وتوسيع شبكة الطرق الوطنية، إلى جانب وجود الإرادة السياسية الداعمة لاستكمال تنفيذ برنامج الإصلاح الوطني الشامل الذي يتضمن إجراءات مالية وهيكلية متوازنة وبما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية على المدى المتوسط.
أما تعديل النظرة المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "إيجابية" فهو مؤشر يعكس الارتفاع المحتمل لتصنيف مصر الائتماني خلال السنة القادمة لو استمرت الحكومة في إجراء الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد. وتجدر الإشارة إلى أن توقعات "ستاندرد آند بورز" لمعدلات النمو تستند على زيادة التدفقات في الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة تحويلات المصريين بالخارج، وبدء الإنتاج من حقل الغاز العملاق ظُهر، مع انخفاض الدين الحكومي تدريجيا، وتراجع العجز المالي ليصل إلى 93% من الناتج المحلي بنهاية السنة المالية 2020.
هذه التوقعات تواجه تحديات كبيرة قد تؤثر سلبا على النظرة المستقبلية. على سبيل المثال تباطؤ وتيرة تنفيذ الإصلاحات المستهدفة لضبط المالية العامة، وخفض مؤشرات الدين العام، وانخفاض مستويات الاحتياطي النقدي الأجنبي، أو حدوث أي اضطرابات سياسية من شأنها التأثير على وتيرة التعافي الاقتصادي.
يعتبر تعديل النظرة المستقبلية إلى "إيجابية" مؤشر جيد لاحتمال رفع التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى أعلى إذا ما استطاعت الحكومة أن تتغلب على التحديات وتحافظ على النجاحات التي حققتها إلى الان. فالتصنيف الائتماني المرتفع يعتبر شهادة بشأن الوضع المالي للدولة. فهي تقيم قدرة الدولة على خدمة ديونها في إطار المدى الزمني لتواريخ الاستحقاق المحددة لهذه الديون، وتعكس المخاطر السيادية لاحتمال توقفها عن السداد او خدمة دينها.
والتصنيف الائتماني للدولة يؤثر على تكلفة السندات التي تطرحها في سوق الديون العالمية باعتبار أنه كلما انخفض التصنيف الائتماني للدولة يعتبر ذلك مؤشر للمخاطر بشأن قدرة الدولة على سداد ديونها مما يؤدي إلى رفع تكلفة السندات التي تطرحها. وتعد فنزويلا من امثلة الدول التي تخلفت عن سداد دينها مؤخرا، فقد أعلنت "ستاندرد آند بورز" أن فنزويلا في حالة "تخلف انتقائي" عن تسديد دينها بعد إخفاقها في دفع مئتي مليون دولار لسنداتها.
الخلاصة أن تقرير "ستاندرد آند بورز" مليء بالإيجابيات إلى جانب علامات الخطر التي لا ينبغي اغفالها. فمازال أمام الحكومة تحديات كبيرة لابد أن يتم التعامل معها بجدية وفقا لخطط عمل محكمة وإطار زمني محدد حتى تتجنب التأثير السلبي في حالة الإخفاق في تحقيق الإصلاحات والمحافظة على النجاحات المحققة.