أهم الأراء
فساد المجمعات الاستهلاكية ..خلل منظومة أم اهمال موظفين
في بلد الأربعين مليون فقير ومن هم دون خط الفقر ،وفئة الفقراء الجدد من طبقات اجتماعية كانت ذات يوم مصنفة ضمن الطبقة الوسطى فتنازلت عن مكانها مرغمة بعد تعويم الجنيه وانضمت الى ركب الفقراء المهتريء، في ذلك البلد يصبح مشهد التكالب على المجمعات الاستهلاكية ومنافذ السلع الحكومية المدعمة أمرا اعتياديا ربما فاق باعتياديته مشهد الطوابير أمام تلك المجمعات في ثمانينيات القرن الماضي .
ممنياً النفس بكيلو من اللحم السوداني او البرازيلي الذي يصل سعره الى نصف سعر البلدي عند محلات الجزارة ، هكذا يتحمل المواطن طابورا قد يمتد لساعات خاصة في الاعياد ، أو سؤالا مكررا لمنفذ لحوم سودانية " متى تصل اللحمة؟"..يساله بلهفة المنتظر لسلعة قد لا تصل أبدا ، فهي وبناء على اتفاق مشبوه تغير مسارها الى محلات الجزارة الاهلية لتباع على أنها لحم بلدي وبالطبع بسعر يفوق سعرها الأصلي .
يحدث ذلك ليس مع اللحم فحسب بل يتخطاه الى الدجاج المجمد الذي تدعمه الدولة فيباع الى المطاعم طبقا لصفقة يبرمها مدير المنفذ فيحقق من ورائها مكسبا معقولا يعينه على تحمل نفقات تخطت راتبه الهزيل الذي ارتضته حكومة لا تعى كيف تكفي موظفيها خطيئة الفساد ولا تدفعهم اليه دفعا .
كلها وقائع حدثت بالفعل كشفت بعضها مباحث التموين ، وقد شهدتها منطقة الدقي التي تحفل بالعديد من منافذ المجمعات والنيوماركت التي ينخر في جنباتها الفساد ويعبث دوما بصدور موظفيها ومديريها ، فعلى مدار سنوات كان ولايزال احد محلات الجزارة الأشهر على مستوى الدقي بل والجيزة ، يستقبل اللحم المدعم ويبيعه للمواطن على انه لحم بلدي وتشهد أروقة المحاكم سبع قضايا حررت لذلك المحل دون أن ينفذ حكم واحد كان كفيلا بغلقه وحبس القائمين عليه وموظفي المجمعات الفاسدين ، بل والادهى وما يثير الغيظ أن ذلك المحل مازال يمارس جرائم الغش نفسها وبمنتهى الجرأة والعلانية ، ففي عيد الاضحى الماضى والذي أعلنت وزارة التموين عن استيراد ٧٥٠٠ رأس خراف سودانى وتوزيعها على 65 شادرًا فى المحافظات ، اسرع المواطنون الى المجمعات لشراء اللحم المعلن عن وجوده ليفاجأوا اما بعدم وجوده نهائيا او بقلة الكميات المعروضة ، الا انه وفي الوقت نفسه كان ذلك المحل الاشهر يعرض اطنانا من ذلك اللحم السوداني ويبيعه ب85 جنيها للكيلو ليتحول شارع التحرير الى طوابير تتصارع للفوز بكيلو لحم ، وهو ما حدث على مرأى ومسمع من الجميع ولا أظنه كان مخفيا عن اعين مباحث التموين التي سبق وحررت له قضايا ، اي ان مراقبته أمر طبيعي وواجب .
كل ما سبق انما يتعلق بحرمان المواطن المستحق من السلع المدعمة لصالح قلة من المنتفعين والفاسدين ، الا ان الامر الاكثر خطورة هو أن يصل اليه اللحم وقد يكون احيانا فاسدا وغير قابل للاستخدام الادمي ، وهو ما يرجع اما لسوء تخزين المنفذ لها أو لسوء التعامل معها من قبل المجزر الحكومي .
وأنا انما أتحدث هنا عن تجربة شخصية مررت بها ، فمن احد منافذ النيوماركت المدعمة بحي الدقي اشتريت كمية من اللحم السوداني وتوجهت بها لمنزلي لافاجأ لحظة فتح الكيس البلاستيكي أنها فاسدة تماما وتصدر عنها رائحة عفن نفاذة ، فعدت بها الى البائع الذي رفض ارجعاها بشدة مدعيا ان لا شيء بها ، فلم يكن بد من ابلاغ مباحث التموين التي استجابت مشكورة وتوجه ثلاثة ضباط معي للتحقيق في الامر وتحرير محضر للجزار .
وقفت وقد زادني الغضب اصرارا على معاقبة المخطيء وعدم التسامح مع من لم يرحم فقيرا قد لا يستطيع الوصول الي مباحث التموين فيضطر اما لاكل اللحم الفاسد تطبيقا لمقولة " خسارة بطني ولا خسارة حاجتي" وبعد بضع سنوات نفاجأ بتفشي أمراض السرطان وفيروس سي بين هؤلاء المعدمين ، أو .. وفي احيان قليلة قد يرتضي المواطن التضحية باللحم الفاسد الذي رفض البائع ارجاعه ، ويخسر جنيهات كان في اشد الحاجة اليها.
وبينما أنا بين ثورة وغيظ معلن ، أستمع الى ما لم اكن اتوقعه ، فان اي فساد للحم حتى وان كان سببه اصابتها ببكتيريا تنشأ من تعرضها للغسيل بماء غير منقى بعد ذبحها ثم عرضها في الهواء امام المنفذ ، انما يتحمل الجزار الموظف بالمنفذ ثمن تلك اللحمة ويحاسب عليه اخر اليوم ، ولانه كاي موظف حكومي لا يكاد راتبه يكفي احتياجاته فيُدفع للتحايل على المواطن الذي لا يشك للحظة في سلع الحكومة ، فيخلطها بلحم غير فاسد او يبيعها اياه دون ان يلتفت مثلما حدث معي ، وهو ما يعد امرا غير منطقي ترتكبه منظومة تعي جيدا حجم الفساد في البلد ، دون ان تضع ضوابط واقعية ، ليصبح المواطن الفقير هو الضحية الاولى والاخيرة .
سؤال اتوجه به الى اللواء علاء الدين فهمي رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية، متى توضع ضوابط صارمة يكون هدفها الاوحد مصلحة المواطن وتضع في اعتبارها رواتب موظفي المنافذ الضئيلة حتى نضيق دائرة الفساد ؟
متى تصبح هناك مراقبة صارمة لهؤلاء الموظفين وعدم ترك الامر برمته لمباحث التموين ؟