أهم الأراء
أزمة شحنات القمح.. حتى لا تكون "فضيحتنا بجلاجل"
يذخر التراث المصري بعبارات ساخرة نتداولها إلى الان في حياتنا اليومية مثل عبارة "فضحية بجلاجل". وتطلق عندما تحدث واقعة مشينة تتسبب في فضحية كبرى لصاحبها. تذكرت هذه العبارة عندما قرأت تقرير حديث أصدرته وكالة أنباء رويترز عن أحد أهم أسباب تعثر شحنات القمح إلى مصر يعود إلى غضب المفتشين التابعون للحكومة من حظر سفرهم للخارج لفحص الشحنات في موانئ بلد المنشأ الذي كان يعود عليهم بدخل إضافي.. وحيث أني لا يتوفرلدي رد رسمي ينفي ما تداوله التقرير، سوف أعرض ملخص يشرح الأزمة دون ابداء رأي قاطع.
تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتبلغ واردات مصر أكثر من مليار دولار كل عام. وكانت اجراءات الاستيراد تمر بعدة مراحل، ومنها التفتيش على سلامة الشحنات من الفطريات الضارة. غير أن منذ عهد قريب بدأت شحنات القمح التي تصدر إلى مصر تواجه معوقات مختلفة، حيث اعتبر تقرير وكالة رويترز أن أحد المعوقات الرئيسية يرجع إلى المفتشون التابعون للحكومة الذين أغضبهم حظر سفرهم للخارج للتفتيش على الشحنات في موانئ بلد المنشأ لأنهم سوف يفقدوا بدلات السفر وميزات عينية ومادية يتحملها الموردون. نتيجة لذلك، بدأ المفتشون في رفض الشحنات في الموانئ المصرية، ويتعسفوا في استخدام سلطتهم لمنع دخول الشحنات إلى مصر.
ثم يذكر التقرير أن مفتشين الحجر الصحي كانوا يتمتعون برحلات مدفوعة بالكامل ويتسوقون على حساب شركات توريد القمح التي كانت تعتبر هذه النفقات ضرورية لتسهيل اجراءات الشحن، وتجنب تعطيل أو منع دخول شحنات القمح إلى مصر. ثم صدر قرارات باجراء الفحص في الموانئ المصرية.
كما ذكر التقرير أن الشركات المصدرة لشحنات القمح كانت في الماضي تتحمل بتكاليف رحلات مدفوعة بالكامل لمفتشي الحجر الصحي، وكانوا يتسوقون على حساب شركات التوريد التي كانت تغض الطرف عن بعض تجاوزات المفتشين في سبيل تطلعها إلى تسهيل دخول شحناتها من القمح إلى مصر.
إذا صدق التقرير عن تفاصيل تجاوزات المفتشين ستكون بالفعل "فضيحة بجلاجل".إذ ذكر بعض موردي القمح إن السعي للحصول على الموافقات كان يعتمد إلى حد كبير على راحة المفتشين! على سبيل المثال، عندما توقف تحميل شحنة قمح قيمتها ستة ملايين دولار فجأة في ميناء في أوكرانيا قبل عامين اكتشف الوكيل أن المفتشين المصريين أوقفوا التحميل لأن الفندق الذي ينزلون به رفض السماح لهم بتناول الإفطار في ساعة متأخرة. وكلف هذا التأخير شركة التوريد مصروفات للميناء تبلغ ثمانية آلاف دولار.
وأضاف مورد أخر أن مشتريات المفتشين من الأجهزة الالكترونية والملابس ووجبات العشاء الغالية الثمن وترقية غرف الفنادق إلى مستويات أعلى كان في مقابل الحفاظ على استمرار تدفق شحنات القمح إلى الموانئ المصرية بدون عقبات.
ويختتم التقرير بذكر التكلفة الإضافية التي كان يتحملها المصدرين، حيث قالوا إنهم كانوا ينفقون في العادة 30 ألف دولار على المفتشين، وكانت النفقات تشمل في العادة مصروفا شخصيا للمفتش الواحد يبلغ 3500 دولار، وذلك حسب فواتير اطلعت عليها وكالة رويترز.
وعلى الجانب الأخر، دافع المفتشين المصريين عن موقفهم تجاه الروايات الواردة في تقرير وكالة رويترز. فقالوا إنهم يحافظون على معايير الجودة.
أني أطالب الجهات الرسمية المعنية في مصر بفتح تحقيق عاجل حول صحة ما ورد في هذا التقرير. ليس فقط للحفاظ على سمعة مصر إذا كانت هذه الادعاءات غير صحيحة، بل لاستجلاء الحقيقة وتوقيع اشد الجزاءات على المسؤولين عن هذا النمط الدنيء من الفساد الإداري بدوافع اكتساب أموال وميزات تدخل في إطار الكسب غير المشروع.
ختاما، أتمنى من كل قلبي أن تكون الروايات الواردة في التقرير غير صحية، والا ستصبح بالفعل "فضيحتنا بجلاجل".