أهم الأراء
المساعدات الأمريكية..”ظز”
"بلاها مساعدات.. كرامتنا أهم". هذا هو لسان حال أي مصري حر لديه ذرة من النخوة الوطنية بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية تخفيض بعض المبالغ المخصصة في إطار برنامج المساعدات الأميركية لمصر. يجيش في صدر كل مصري شعور كبير بالضيقلغطرسة أمريكا ومحاولتها لي ذراع الدول التي تعتبرها مارقة عن سياستها. فتارة تطلق رسائل ضمنية عبر ماكينة الاعلام الجهنمية الأمريكية، ومن خلال تصريحات أعضاء الكونجرس، ومن خلال المنظمات الدولية التي تسيطر عليها. وتارة أخرى تستخدم الاجراءات الدبلوماسية والاقتصادية التي من شأنها أن تؤثر على اقتصاد واستقرار الدول التي تعصى تعليمات "ماما أمريكا". ويبدو أن ورقة المساعدات الأمريكية لن تكون الأخيرة التي تستخدمها أمريكا للضغط على مصر. لكن هيهات أن تنال من كرامتنا الوطنية.
أقصد ب "طز" هنا دعوة لعدم المبالاة كثيراً بشأن المساعدات الأمريكية الاقتصادية لمصر التي نعلم جيداً أنها ليست "لوجه الله"، أو من أجل "سواد عيون مصر". فالواقع هو أن هذه المساعدات تحكمها لغة المصالح المشتركة والحسابات الدبلوماسية بين البلدين.
تعود المساعدات الأمريكية إلى عصر الرئيس الراحل أنور السادات عام 1978 عندما منح الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر حزمة سنوية من المعونات الإقتصادية والعسكرية التي تحولت لاحقاً في 1982 إلى منح لا ترد. وتنقسم المساعدات إلى معونة عسكرية قيمتها مليار و300 مليون دولار، ومعونة اقتصادية قيمتها 142.7 مليوندولار. وتجدر الاشارة إلى أن المعونة الإقتصادية كانت قيمتها 800 مليون دولار، ثم تم تخفيضها إلى250 مليون دولار، إلى أنأصبحت حالياً 142.7 مليون دولار. وتتولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مسؤولية إدارة المعونة حيث يتم ضخها في برنامج المشروعات الإنمائية، وبرنامج التحويلات النقدية، وبرنامج الاستيراد السلعي.
إن قرار الإدارة الأمريكية تخفيض المساعدات الإقتصادية أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى من المساعدات قد أثار قلق الدبلوماسية المصرية وغضب الشارع المصري إلى حد كبير. والحقيقة أني أنظر إلى هذا الموضوع بقليل من الاهتمام ينبع من تفسيري للدوافع خلف هذا القرار. ينظر الشارع المصري إلى هذا الموضوع من ناحية أن مصر مقصودة بحرب خفية تديرها الإدارة الأمريكية، وأن آداة العقاب هي المساعدات الامريكية. بينما تنظر الدبلوماسية المصرية إلى أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التى تربط البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الشعب المصري، وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية. وأني أنظر إلىوجهتا النظر،فأرى أنهما تلتقيا في بعض التفاسير وتختلفا في التفاصيل.
أما عن الأسباب التي دفعت الإدارة الآمريكية لتخاذ هذا القرار فترجع إلى ملف حقوق الانسان الذي طالما اسيئ استخدامة كورقة ضغط على مصر وغيرها من الدول. فأمريكا لا تخفي امتعاضها من صدور "قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي" رقم 70 لسنة 2017 المعروف باسم قانون الجمعيات الأهلية الجديد. لما لا؟ فقد صدر هذا القاون لتنظيم قطاع طالما عانى من فوضى عارمة في مجال المساعدات التي يتلقاها المجتمع المدني والتي استخدمت في أحيان كثيرة في أغراض تضر الأمن القومي. وأعرب المناهضون للقانون عن عدم رضائهم عن القانون ووصفوه بأنه يضع شروط صارمة تعوق العمل الخيري ومؤسسات المجتمع المدني التي يقدر عددها بنحو سبعة وأربعون ألف منظمة غير حكومية محلية إضافة إلى مائة منظمة يتم تمويلها من الخارج.
في المقابل يري المؤيدون للقانون أن تلك الإجراءات القاسية ضرورية لمواجهة التهديدات الناتجة عن الجماعات المتطرفة مثل "داعش". ومن مزايا القانون أنه حدد كثير من الأمور التي كانت غير منضبطة في ممارسات الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وأهمها التمويل الأجنبي وجمع التبرعات وضوابط صرف الأموال ونقلها وتحويلها داخليا وخارجيا خصوصا في ضوء العدد الهائل من الجمعيات والمنظمات العاملة في مصر.
وفي رأيي أن القانون الجديد يتضمن أحكاما فعًالة أدت إلى تسوية العديد من أوجه القصور التي لم تكن منضبطة بالقدر الملائم في الماضي. فقد أغلق القانون الأبواب الخلفية للتمويل الأجنبي الذي طالما أُسيئ استخدامه منذ اندلاع ثورة يناير 2011، بل عانت منه جميع دول الربيع العربي والدول الأخرى التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية. وسوف يضيق القانون الخناق على تمويل الإرهاب من خلال الضوابط المفروضة على تلقي التبرعات داخليا وخارجيا.
ولكن ما هو البديل عن المساعدات الامريكية؟ في رأيي أن مصر يجب أن تخفف من اعتمادها على المساعدات الخارجية أياً كان مصدرها اذا كان من شأنها التاثير على سيادة القرار المصري والأمن القومي . يجب الاعتماد على النفس وزيادة الانتاج حتى لا نكون دائما تحت رحمة المنح والمساعدات التي غالبا لا تكون منزهة عن الأغراض الخفية. وعلى الرغم من أهمية المعونة العسكرية، فأني لا أشك أن المسؤولين على رأس الدولة لا يسعون إلى البدائل لتنويع مصادر السلاح وتدبير المستلزمات وقطع الغيار للأسلحة التي تم شرائها من امريكا. ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يظنها البعض ويطالب بالاستغناء تماما عن المعونة العسكرية. فالأمر يبدو لي اشد تعقيدا ويتطلب فترة زمنية طويلة إلى جانب جهود دبلوماسية حثيثة لاحتواء الازمة.
***