أهم الأراء
الحال المائل وبرج الأزاريطة المائل
برج الأزاريطة المائل ما هو الا تجسيد للحال المائل الذي تعاني منه أحياء كثيرة في مدينة الأسكندرية التي عهدناها دائما عروسالبحرالمتوسط. ولكنأسفي عليك يا أسكندرية، فقد طالك وباء الفساد ونهش جسدك الإهمال بأيدي حفنة من فاسدين ترعرعوا في بيئة عفنة وانغمسوا في الكسب الحرام دون شعور بتأنيب الضمير.
والمحزن أن هذا البرج ليس إلا واحد من ألاف الحالات التي تنذر بكوارث مشابهة وان اختلفت طبيعة المخالفة، بينما يكتفي المسؤولين بأن يحرروا محاضر وقرارات ادارية لا يتم تنفيذها إما لغياب الارداة أو لإسستحالة التنفيذ على أرض الواقع. وعلى الرغم من أن المخالفات لم تنشأ بين عشية وضحاها وتمت تحت سمع وبصر المسؤولين، غير أن قوة وحجم الفساد كان كالسد المنيع الذي يحول دون الاصلاح والمحاسبة.
تتلخص قصة البرج المشؤم في أنه مرخصلهفيعام 2003 ببناءثلاثطوابقفقط،ولكنصاحبالعقارخالفالترخيصوقامببناءثلاثة عشرطابق وصدرت له قرارات ازالة ولكن لم تنفذ. ولكي تكتمل أركان الكومديا السوداء، عندما تم إلقاء القبض على مالكة المبنى اتضح أنها مالكة صورية صدرت الرخصة والمستندات الرسمية الأخرى باسمها مقابل مبلغ تتلقاه من المالك الحقيقي الهارب.
المشكلة ليست محصورة في هذا العقار ولا فساد الآحياء في محافظة الأسكندرية، بل انها مشكلة تجسد واقع مرير لسنوات طويلة استشرى فيها الفساد كالسرطان في المحليات في انحاء الجمهورية الى أن اصبح العرف هو ضرب القوانين عرض الحائط وتحدي سلطة انفاذ القانون. ونظراً لأن القانون يسمح بالتصالح ودفع غرامة في بعض الحالات، كانت النتيجة أن أحياء بأكملها امتلأت بالكامل بمباني مخالفة، وتم تقنين المخالفاتبصورة رسمية، وأحيانا بالرشوة. هذه البنايات تم توصيل المرافق اليها في رسالة قوية الى الجميع مفادها "كله يمشي بالفلوس".
ولكي ننظر الى مشكلة العقارات المخالفة بشكل أشمل، تشير احصائيات وزارة الاسكان أن عدد العقارات المخالفة في مصر تبلغ نحو سبع ملايين عقار، من بينهامليونانوخمسمائةألف عقار أنشئتفي الفترة التالية للثورة، وأن تسعةآلافعقار أصدر بشأنهم قرارات إزالة ولم تنفذ، بينما هناكنحو ستونألف عقار على وشك الانهيار. وتربعت الأسكندرية على رأس المناطق الخطرة في المحافظات، تليها القاهرة التي تحوي بؤر للعشوائيات مثل عزبة أبو قرن، والدويقة ومنشأة ناصر، ومثلث ماسبيرو وغيرها.
وفي خضم متابعة أخبار "برج الأزاريطة المائل"، سرت اشاعة قوية بأنالسيد رئيس الجمهورية سوف يصدر قرار بأنتتوليالقواتالمسلحةجمعالمعلوماتوتنفيذقراراتالإزالةوكذلكاسترجاعاراضيالدولةبدلامنالمحافظينورؤساءالأحياءمنعاللفسادوالمحسوبية. وعزز من انتشار الاشاعة أن السيد رئيس الجمهورية قد أصدر تعليمات مشددة في منتصف الشهر الماضي بتشكيل لجنة للتعامل مع الاستيلاء على أراضي الدولة، وأن تكون اللجنة على مستوى مجلس الوزراء، وتضم ممثلين من الرقابة الإدارية والمحافظين ومديرى الأمن وقادة الجيوش والمناطق في اشارة قوية بالحرب على الفساد في اراضي وضع اليد. وعلى الرغم من أني لا أميل الى اقحام الجيش في الحياة المدنية، الا أن في ضوء حجم الفساد الضخم في المحليات، فإني أرحب بهذ الاجراء الاستثنائي نظراً لفشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع هذا الملف الشائك الذي يحيط به قدر كبير من فساد الموظفين. هذا الفساد الذي طالما أزكم الأنوف وحان وقت القضاء عليه.
وفي الختام، اذا أردنا أن نبني مصر لكي تكون في مصاف الدول العصرية، يجب أن يتكاتف المواطن والدولة لمحاربة الفساد. فالفساد هو العدو اللدود الذي يأكل أرزاقنا وقوت أطفالنا، نحن مأمورون بمحاربته. يقول الله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص 77.
***