أهم الأراء
التنمية تحت سيف الزيادة السكانية
يساورني الشعور باليأس مجدداً كلما قرأت أو استمعت الى تصريحات المسؤولين يتحدثون عن المؤشرات الاقتصادية. وكان أخرها مداخلة السيد رئيس الجمهورية خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "كل يوم"، على قناة "أون إي" الفضائية. أثار الرئيس مشكلة في غاية الأهمية سوف يمتد تأثيرها إلى الأجيال القادمة وهي قضية الزيادة السكانية الرهيبة وتأثيرها على معدلات التنمية.
صدمني تصرح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصريبأن تعداد المصريين بالداخل والخارج تخطى مئة مليون نسمة. وبلغ عدد السكان بالداخل 92 مليونا و7500 ألف نسمة، وثمانية ملايين بالخارج. فإذا علمنا أن عدد السكان ارتفع مليون نسمة في أقل من ستة شهور، وبفرض أن تعداد السكان يزيد بمعدل اثنان مليون نسمة في العام، فنحن نسير قدماً بسرعة الصاروخ نحو كارثة محققة. ولكي ندرك مدى خطورة المشكلة السكانية، يكفي أن تعلم أن عدد السكان قد ارتفع أربعة أضعاف ونصف عما كان عليهعام 1952. إذن ينبغي أن تضع الدولة على سلم أولوياتها استراتيجيات واضحة قابلة للتنفيذ لمعالجة كارثة الزيادة السكانية، والاسترشاد بالتجارب الناجحة لدول أخرى لديها كثافة سكانية كبيرة مثل الهند والصين وماليزيا استطاعت تحويل المشكلة الى مورد هام يوظف في تحقيق التنمية.
ومع الزيادة السكانية في مصر بلغ مستوى الفقر نحو 27.8 % على مستوى الجمهورية ككل، بينما تميز الصعيد بمستوى فقر بلغ أكثر من 50% ،وفي أسيوط تحديداًبلغ نحو 66%. وتزداد المشكلة تعقيداً إذا اقترن مستوى الفقر مع الأمية التي تصل حالياً إلى 20.2% والبطالة التي بلغت نسبتها 12.8% من قوة العمل وليس تعداد السكان حيث أن هناك أكثر من 28 مليون نسمة هم قوة العمل في مصر.
تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وكان عدد سكان في ذلك الوقت 541.67 مليون نسمة. شهد عدد السكان في الصين ازدياداً سريعاً حتى عام 1969 حيث وصل إلى 806.71 مليون نسمة. وفي السبعينات من القرن الماضي شرعت الصينفي تنفيذ سياسة تنظيم الأسرة للتحكم في الزيادة السكانيةلمواجهة المشكلة السكانية المتفاقمة. ويبلغ عدد السكان وفقاً لأحدث تعداد في 2015 نحو 1.371 مليار نسمة. ومع ذلك تحقق الصين معدل نمو اقتصادي بلغ 10% خلال آخر عشرة أعوام.
تعتبر الصين سياسة تنظيم الأسرة من أهم سياسات الدولة، وتنفذ من خلال القوانين واللوائح والتثقيف المجتمعي في أمور مثل التشجيع على تأخير الزواج وتأخير الإنجاب وإنجاب أطفال أقل عددا وتشجيع كل زوجين على إنجاب طفل واحد. وفي الأرياف، يمكن للأسرة أن تنجب طفلا ثانيا بعد بضع سنوات.
يبلغ عدد السكان في الهند نحو 1.2 مليار نسمة، وبحسب دراسات الأمم المتحدة تكون مرشحة لاحتلال المركز الأول مستقبلاً في عدد السكان بحلول عام 2022. وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الفقراء حيث يمثل الفقراء حوالي 25 % من السكان، تمكنت الهند من الاستفادة من الثروة البشرية في عملية التنمية، ولديها أكبر عدد من المتخصصين حول العالم في مجالات كثيرة. كما أن الاقتصاد الهندي يعد سادس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج الإجمالي المحلي وأسرع اقتصاد نمواً في العالم.
لا ينبغي النظر دائماً إلى أن الزيادة السكانية هي المشكلة الرئيسية والعقبة أمام تحقيق التنمية إلا إذا لم تضع الدول الاستراتيجيات الفعالة للاستفادة من السكان باعتبارهم من أهم موارد الدولة. ويجب ألا يتم اعداد الاستراتيجيات بمعزل عن استراتيجيات التعليم والصحة والاستثمار وغيرها فهي جميعاً تتكامل مع بعض.
أعلم أن لدينا المجلس الأعلى للسكان،ولكن لا أدري على إلى أي مدى استطاع أن يضع الاستراتيجيات والتطبيقات التي تعالج المشكلة السكانية وفقاً لأطر زمنية محددة. كما أعلم أننا لا زلنا نعيش في مساحة ضيقة تبلغ نحو 5% فقط من مساحة مصر في الوادي الضيق حول النيل، بينما هناك مساحات شاسعة في جميع أنحاء مصر غير مأهولة بالسكان. فهل يمكن تأسيس مشاريع يمكن معها نقل تجمعات سكانية اليها وتطويرها باستغلال الموارد البشرية المؤهلة. هل تنسجم استراتيجيات التعليم مع الاستثمار؟ كل هذه الأسئلة وأكثر مازالت دون إجابات واضحة.
ترك الزيادة السكانية بدون استغلالها في التنمية هي كارثة كبرى سوف يدفع ثمنها الأجيال القادمة. اللهم فأشهد!