أهم الأراء
زاهيمر الحكومة يكشفه مصنع ألبان أطفال.
الزاهيمر هو مرض يصيب الانسان بالخرف والتَّوَهان فلا يتذكر الأحدات. ولكن الجديد في الأمر أن هذا المرض أصاب الحكومة ممثلة في وزارة الصحة، فأصبحت لا تتذكر أمور هامة مثل وجود مصنع في مصر ينتج لبن الأطفال.
نعود بالذاكرة قليلاً إلى وقت الأزمة الطاحنة في لبن الأطفال التي استمرت لعدة شهوروتناولتها وسائل الاعلام بتغطية مكثفة. نتج عن الأزمة تكدس المواطنين أمام مراكز صرف الألبان التابعة للشركة المصرية لتجارة الأدوية المكلفة من قبل وزارة الصحة باستيراد الألبان المدعمة. ثم تدخلت القوات المسلحة لحل الأزمة من خلال استيراد 30 مليون عبوة لسد العجز فى السوق.
تبدأ القصة الهزلية حينما أفرد الإعلامي عمرو أديب مساحة كبيرة في برنامج "كل يوم" المذاع على قناة "ON E" لموضوع توقيع اتفاقية بين وزارة الصحة وشركة “لاكتو مصر” لتوريد 18 مليون عبوة سنوياً من ألبان الأطفال لصالح وزارة الصحة، وهو ما يمثل عدولاً عن مخطط الوزارة لإنشاء مصنع لإنتاج الألبان. ثم توالت تصريحات المسؤولين المثيرة للجدل، حين يقول المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بأن الوزارة لم يكن لديها علم بوجود ذلك المصنع العام الماضي عند حدوث أزمة في منتجات ألبان الأطفال! بينما يصرح وزير الصحة بعد زيارته للمصنع المنسي أن "بعد التعاقد مع “لاكتو مصر” أصبحنا فى غير حاجة لإنشاء مصنع جديد، خاصة فى ظل تواجد مصنع محلى يستطيع أن يوفر احتياجات السوق من ألبان الأطفال". ثم أشار الوزير إلى إلغاء جميع مناقصات ألبان الأطفال بداية من العام القادم.
والله إني لأتعجب من تصريحات السيد وزير الصحة والسيد المتحدث الرسمي للوزارة. هل يتم اتخاذ القرارات الهامة بمعزل عن قواعد البيانات المتوفرة لوزارة الصحة؟ ألا يوجد جهاز إداري مؤهل يشرف على الملفات الهامة لدى الجهة المختصة في الوزارة ويوفر البيانات والمستندات لمتخذي القرار؟ هل ترتبط المواضيع الهامة وما يتعلق بها من دراسات ومكاتبات بالأشخاص القائمين عليها، فإذا تركوا مناصبهم أختفت معهم السجلات وأصبحت الوزارة بلا ذاكرة؟ كل هذه الأسئلة وأكثر تبحث عن إجابة مقنعة تفسر تَّوَهان المسؤولين في الوزارة الذي كشفه مصنع الألبان المنسي " لاكتو مصر".
تم تأسيس شركة “لاكتو مصر” عام 2000 في المنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان، وهي شركة متخصصة في مجال إنتاج حليب لبن الأطفال المجفف والمواد الغذائية. وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية حوالي ٣٥ مليون علبة من ألبان الأطفال لتغطية الاحتياجات المحلية وتصدير الفائض للبلاد العربية والشرق الأوسط والبحر المتوسط وأفريقيا. وتجدر الاشارة إلى أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زارت المصنع في عهد رئيس الحكومة السابق أحمد نظيف، وكرمت القائمين عليه.
وفي عام 2005 حدثت أزمة في "لاكتو مصر" بسبب أحد تشغيلات لبن الأطفال، ونتج عن ذلك منع الشركة من طرح منتجاتها في السوق المحلي بحجة عدم مطابقتها للمواصفات. هل كان من الأجدى اعطاء الشركة مهلة زمنية للقضاء على الأسباب التي أدت الى انتاج تشغيلة غير مطابقة للمواصفات، ثم بعد ذلك إخضاع الشركة لرقابة صارمة للتأكد من استمرار الانتاج بالمواصفات السليمة؟ ماذا كانت النتيجة؟ حرمان السوق المصري من منتجات المصنع الوحيد الذي يصنع ألبان الأطفال، بينما استمر المصنع في العمل بنجاح وصدر انتاجه الى عدة دول عربية و أوربية وأفريقية.
فبينما نتمنى أن تُشفى وزارة الصحة من الزهايمر الذي أصابها فجعلها تكتشف بالصدفة وجود مصنع كبير في مصر ينتج لبن الأطفال، نأمل أن لا يكون المرض قد أنساها ملفات أخرى هامة فيتحمل المواطن عواقب مرضها وتَّوَهان المسؤولين.
***
[email protected]