أهم الأراء
"سارق الشيكولاتا" بين الشفقة والادانة
أثار خبر "سارق الشيكولاتا" الذي تداولته وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع الكثير من الجدل تفاوت بين التعاطف والادانة. يرجع الخبر إلى ضبط رجل يسرق كمية كبيرة من الشيكولاتة من أحد الأسواق التجارية ويخفيها بين طيات ملابسه. وعندما تمت مواجهته بكاميرات المراقبة التى تم تسجيلها بمعرفة مسئولى الغرفة الإلكترونية ، اعترف بسرقة الشيكولاتة من أجل تقديمها لإبنته الصغيرة التى طلبت منه أن تتذوق الشيكولاته، إلا أنه كان عاجزاً عن شرائها. ثم أظهرت التحقيقات لاحقاً أنه معتاد على السرقة، وتم تصويره أكثر من مرة بأكثر من ملابس مختلفة.
بعيداً عن الواقعة ذاتها، هل من المقبول التسامح مع السرقة بدعوى أن مرتكبها كان مضطراً؟ وما هو مقياس الظروف الاضرارية المشددة التي تبيح للشخص أن يسرق؟ وما هو القدر المسموح أن يتم سرقته لسد حاجة المضطر؟ ليست هذه الأسئلة فقط هي التي ينبغي الاجابة عليها للوصول إلى تقدير عادل نحكم به على الحالات التي تبرر السرقة لأن سلسة الأسئلة الافتراضية طويلة وربما تقودنا إلى جدل لن ينتهي.
أتفق تماماً أن الظروف المعيشية في مصر أصبحت صعبة للغاية خصوصاً في ظل بلوغ مستوى التضخم في فبراير الجاري نحو 31.4% مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشدة. ولكن ما نعاني منه في مصر الأن من صعوبة العيش لا يمكن مقارنته بما يحدث في دول أفريقية من ظروف معيشية بالغة القسوة وصلت إلى حد المجاعة وهلاك البشر. وفي مثل هذه الظروف ربما تكون السرقة هى الدافع الوحيد للنجاة من الموت، والمبرر لوقف تطبيق العقوبة بحق السارق.
السرقة جريمة تحرمها جميع الأديان والقوانين. ويفسر رجال الدين أن من اضطر إلى السرقة بسبب الجوع فلا اثم عليه، ولكن ليس كل جوع يبيح السرقة. والمقصود هنا الجوع الذي يؤدي إلى الهلاك لأن المحتاج يكون كالمضطر . فاذا طبقنا هذه القاعدة على "سارق الشيكولاته"، فهو بلا شك سارق آثم في نظر القانون والدين. لقد استحل السرقة ولم يكترث أن يسدد عمال المحل من أموالهم الخاصة العجز في البضاعة المعروضة التي تم سرقتها وقد تعدى ثمن علبة الشيكولاتة الواحدة 100جنيه.
في نفس السياق، أصدرت أحد المحاكم الايطالية حكماً بأن سرقة الطعام من المحلات التجارية للأشخاص المشردين والجائعين لا تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. صدر الحكم في واقعة تلبس شخص أوكراني بسرقة سجق وجبنة بقيمة 5 دولارات أميركية، واعتبرت المحكمة أن الظروف التي أحاطت بالحادثة تكشف أن الرجل سرق بدافع الحاجة والضرورة، وهو ما ينفي صفة الجرم عنه. ويذكرني هذا الحكم بموقف الخليفة عمر بن الخطاب حين علق إقامة حد السرقة في عام المجاعة (الرمادة) بسبب اضطرار الناس لذلك حفاظاً على حياتهم.
بعد هذا السرد أجدني غير متعاطف مع "سارق الشيكولاتة". بل أندهش لتغييب المنطق والانسياق خلف العاطفة. والأسوأ هو قيام البعض بالمطالبة بالافراج عنه لأنهم يؤمنون أن القضاء المصري غير نزيه عندما أصدر أحكام بالبراءة في عدة قضايا فساد تناولها الاعلام بالتغطية المكثفة، واحياناً بالتضخيم والاثارة. فعلى الرغم من أن الحكم عنوان الحقيقة، لم يروق للبعض الأحكام وتداولة بينهم شعارات ساخرة مثل "مهرجان البراءة".
هل من العدل أن يُطلق العنان لكل من تشتهي نفسه إلى شيئ لايستطيع الحصول عليه أن يسرقه ويأمن العقاب؟ هل من المنطق أن نتسامح مع حالات السرقة بحجة أن الكبار يسرقون ولا يحاسبهم أحد ؟ هل من الصواب أن نغض الطرف عن قيم الأمانة والنزاهة لصالح السرقة والخساسة؟ والله لئن تركنا الناس تسرق بحجج يسوقونها تبرر جرمهم لأصبحنا في فوضى عارمة لا يأمن فيها المواطن عن بيته وعرضه وماله. يا سادة دعونا من قول الحق الذي يراد به باطل.