أهم الأراء
عزيزي "المستريح".. أنت في القلب!
على غير العادة، بدلاً من أن يتجمهر ضحايا النصاب أمام النيابة للمطالبة بأموالهم التي استولى عليها نصاب بحجة استثمارها في مشاريع تدر أرباح مغرية، تجمعوا على قلب رجل واحد واطلقوا حناجرهم بهتاف مرددين عبارات “الشركة تمام.. الشركة تمام.. الظلم حرام.. الظلم حرام”! بالفعل لا أصدق من شدة التعجب ما يحدث من ضحايا "المستريح" المحظوظ، ثم أطلقت ضحكة ساخرة بينما أحتسي فنجاناً من القهوة هامساً لنفسي "يستاهلوا اللي هيجرى لهم".
ترجع الأحداث الى الأسبوع الماضي بعد أن تقدم 42 من ضحايا "المستريح" الجديد ببلاغات الى نيابة الشئون المالية والتجارية بتهمه بالنصب وتوظيف الأموال تحت ستار مشروع تربية الأرانب في 8 محافظات مقابل أرباح كل 45 يوماً، وهي مدة تتفق مع دورة تربية الأرانب، وطالبوا النيابة بالافراج عن "المستريح" حتى يستطيع ادارة أعماله ويتمكن من سداد الأرباح الشهرية لهم.
المتتبع لأخبار قصص النصب تحت ستار توظيف الأموال في مشاريع تجارية سوف يلاحظ أن الضحايا من خلفيات اجتماعية وتعليمية مختلفة ، ولكن يجمعهم الجشع والرغبة في الثراء السريع بدون مجهود. فعلى الرغم من انتشار أخبار حالات نصب مشابهة بصورة متكررة، الا أنهم أغلقوا أعينهم عن قراءة الحقيقة وصموا آذانهم عن الاستماع لأصوات الناصحين وأختاروا أن يسيروا على هدى من سبقوهم من ضحايا توظيف الأموال في سبيل تحقيق حلم الثروة السريعة.
منذ الثمانينات من القرن الماضي لم تتوقف جرائم النصب تحت ستار توظيف الأموال وتحت عباءة الدين والأرباح الإسلامية. وكان أشهر تلك الشركات الريان والسعد والشريف والهدى مصر وبدر والهلال. اجتذبت هذه الشركات رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة والمُدخرات مقابل عائد شهرى أو سنوى تجاوز أحياناً 5 % شهرياً. وما تزال حالات النصب تذدهر رغم اختلاف الزمن واختلاف هيئة النصاب ونوعية المشاريع. ولكن العامل الثابت عبر العصور هو تزايد انتشار حالات النصب مع ارتفاع معدل التضخم، وبالتالي تحول سعر الفائدة الحقيقي الى السالب . والمقصود بسعر الفائدة الحقيقي هو سعر الفائدة الأسمي مطروحاً منه معدل التضخم. فاذا كان متوسط سعر الفائدة على الشهادات 18% ومعدل السنوي للتضخم العام 28.14% (كما في يناير 2017) ، فإن سعر الفائدة الحقيقي يساوي 10.14% بالسالب، أي أن الأموال المدخرة سوف تتأكل لو استمر معدل التضخم مرتفع .
لن تنتهي جرائم النصب تحت ستار توظيف الأموال الا بتحسن الأحوال الاقتصادية بصورة عامة ووجود فرص استثمار حقيقية وتحت مظلة قانونية سليمة . وهذه المرة أبرأ ساحة الحكومة من تهمة التقصير في توعية المواطنين لأنها منذ الثمانينات قد أصدرت القانون رقم 146 لسنة 1988 فى شأن الشركات العاملة فى مجال تلقى الأموال لاستثمارها. ولكن نظراً للضوابط الصارمة التى حددها القانون لإنشاء تلك الشركات سواء بالنسبة للشكل القانونى أو حجم رأس المال والإشراف المُباشر للبنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية على أعمالها، لم تُؤسس شركة لتلقى الأموال منذ صدور القانون وحتى الآن. كما أن وسائل الاعلام تحذر باستمرار من اللجوء الى أصحاب المشاريع التي تعد بتوزيع أرباح عالية وتوضح القنوات الشرعية للاستثمار والادخار.
ولكن في النهاية لا أتوقع أن تنحصر ظاهرة توظيف الأموال، وسوف تطالعنا عناوين الصحف بأخبار "المستريحين" من شتى محافظات مصر. هكذا يصدق المثل القائل "وراء كل نصاب طماع".
[email protected]