أهم الأراء
هل تنخفض الأسعار بعد إرتفاعها؟
هل الاستغلال والجشع تراث مصري أصيل يحافظ عليه التاجرالمصري بنفس القدر الذي يحرص فيه على اظهار ملامح الالتزام الديني المتمثل قي"زبيبة الصلاة" والمسبحة؟ إذا كانت الاجابة "نعم" فقد حصلنا على تفسير سهل لسؤال آخر وهو لماذا لا تنخفض الأسعار في مصر بعد إنخفاض سعر صرف الدولار؟
تقول الأسطورة الفرعونية المنقوشة على شاهد قبر التجار الفرعوني جشع خنع آمون، كبير تجار الفراعنة من الأسرة المصرية الثامنة عشر "إحذر خفض الأسعار بعد أن رفعتها والا سوف تلاحقك لعنة الآله". كما يقول المثل الشعبي القديم "يا رافع السعر في العالي، نزل الدولار... وانا مالي".
كان لزاماً أن أمهد لموضوع المقال بهذه المقدمة الساخرة. فوصف حالة الأسواق والأسعار ينطبق عليها قول أبو الطيب المتنبي "وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء". ارتفعت الاسعار بطريقة غير منطقية بعد قرار تحرير سعر صرف الجنية المصري مقابل العملات الأخرى بناء على قوى العرض والطلب. وبرر المصنعون والتجار أسباب ارتفاع أسعار السلع والخدمات يرجع الى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه. والآن بعد أن انخفض سعر الدولار مقابل الجنيه لماذا لا نري استجابة السوق في خفض الأسعار؟
هناك عدة تفسيرات توضح لماذ لم يستجيب السوق وينعكس تأثير سعر صرف الدولار على الأسعار. قام المستوردون بالتعاقد على شراء السلع تكفي لمدة ثلاثة أشهر. كما قام التجار بتخزين كميات كبيرة من السلع. بالطبع لم يكن في الحسبان أن ينخفض سعر الصرف ، وبالتالي سوف يحققوا خسارة اذا تم عمل تقييم للأسعار وفقاً لسعر الدولار الجديد. لذلك سوف يستمروا في التعامل بنفس مستوى الأسعار حتى ينفذ المخزون لديهم ولن يرضوا ابداً بالخسارة. فعندما ارتفعت الاسعار كان لديهم مخزون تم تسعيره وفقاً لتكلفة الدولار عندما كان سعر الصرف منخفضاً. وفور قرار تعويم الجنيه، منهم من رفع الأسعار في الحال باحتساب التكلفة الجديدة ، ومنهم من امتنع عن البيع حتى يستطيع أن يطرح ما لديه من مخزون بالسعر الذي يحقق له أقصى مكسب. ومن دواعي السخرية، ارتفعت سعر حزمة الفجل والجرير وكل السلع حتى وان لم يدخل في تكلفتها الدولار.
والحل لا يتمثل في أن تعود الدولة إلى ممارسة دورها في الستينات وتمارس التجارة بنفسها إذ تم تجريب ذلك ولم ينجح. ولكن الدور المنتظر من الدولة يتمثل في تعزيز وتقوية القدرات المؤسسية للمؤسسات التي تعمل على مراقبة الأسواق وأدائها، والتي تطبق بحزم قانون منع الاحتكار، وتفعّل دورها في حماية المستهلك، وغيرها من الأدوات اللازمة للرقابة و تنفيذ القانون.
كلمة أخيرة أوجهها الى التاجر والمستورد وأصحاب المهن الحرة وغيرهم . ترافقوا باخوانكم واجعلوا مكسبكم طاهر حلال حتى لا تصيبكم دعوة أم لاتستطيع شراء طعام لأطفالها ولا أب عجز أن يوفر أبسط مطالب الحياة لأسرته ولا مريض يئس من شراء دواء ارتفع سعره أضعاف دون وجه حق. الراحمون يرحمهم الله.
[email protected]