أهم الأراء
أزمة "هاينز".. فساد أم ضرب تحت الحزام؟
تابعت باهتمام شديد أزمة الشركة المنتجة لصلصة "هاينز" والتي تم تداولها على نطاق واسع في الاعلام وعلي وسائل الاتصال الاجتماعي. ولا أخفي أنني شعرت بانزعاج كبير ممزوج باحساس بالأسى لما وصل إليه الحال في مصر مع ضعف رقابة الدولة على المصانع المنتجة للمواد الغذائية. إلا أنه بعد ايام قليلة من المتابعة للموضوع ساورني الشك أن شيئ ما يدعو إلى إعادة التفكير بموضوعية وتحييد أثر الهجوم على الشركة المنتجة خصوصاً بعد تداول عدد من الصحف والمواقع الالكترونية لعناوين مثيرة مثل " خطير- التفاصيل الكاملة لفضيحة شركة "هاينز" و"كاتشب الحشرات" اللآدمي.. ماذا يأكل المصريون؟" و " كارثة استخدام شركة "هاينز" مواد سامة في منتجاتها وحظر منتجات الشركة من الكاتشب" و " بلاغ للنائب العام يتهم شركة "هاينز مصر" باستخدام مواد سامة تضر بصحة المواطن المصري".
تبادر إلى ذهني المثل العامي "العجل وقع هاتوا السكينة" عندما ارتفعت حناجرالمحامين المعروفين بحب الشهرة و مديري مراكز مجهولة للدراسات والبحوث و أخرى للدفاع عن الحريات وغيرها من أكشاك البوق العالي الذين ينفخون فيه بحناجرهم لتهييج الرأي العام في أي حدث من أجل تحقيق الشهرة. حينئذٍ أنتقلت إلى صف المحايدون إلى أن يصدر حكم القضاء أو تصريح من جهة الاختصاص المسؤولة تؤكد أو تنفي التهمة عن الشركة المنتجة.
ثم نشر رد شركة كرافت هاينز العالمية بتصريح من نائب مدير إدارة علاقات المستثمرين مفاده إن المنتجات المضبوطة لم تكن معدة للتوزيع موضحاً أن برنامج تليفزيوني نشر مقطعاً مصوراًحقيقياً يصور عملية فرز الطماطم في الشركة لانتقاء أفضل الثمرات قبل بدء عملية الإنتاج، وأظهر بعض عمال الفرز والتنقية، وخلط المقطع الحقيقي مع مقطع مزور في محاولة لتزوير الحقائق، على نحو يمثل إضرار عمدي ومقصود لسمعة الشركة المنتجة بشكل ينافي الواقع.
وكانت المفاجئة الكبرى! صدر بيان وزارة التجارة والصناعة نافياً التهمة عن الشركة المنتجة وفقاً لتقرير تم رفعه إلى الوزير. أشار التقرير إلى أن نتائج العينات التي تم سحبها من خطوط الإنتاج مطابقة للمواصفات القياسية، وعدم وجود مخالفات تشوب العملية الإنتاجية خاصة ما يتعلق بالالتزام بمعايير واشتراطات الصحة والسلامة حفاظاً على صحة وسلامة المستهلك. كما تبين من الزيارات التى قامت بها مصلحة الرقابة الصناعية التابعة للوزارة للمصنع وجود بعض الملاحظات الإدارية المتعلقة بالتعامل مع مرتجعات المنتج النهائي من السوق، والتأكد من وضع اللاصق الخاص بتاريخ الإنتاج على عبوات المنتج النهائي، وتم تصويب الملاحظات.
هل كانت الحملة على الشركة المنتجة محاولة لابتزاز الشركة، أو ضربها لصالح جهات أخرى؟
هل يمكن أن تضحي الشركة المنتجة بسمعتها وسمعة الشركة الأجنبة الأم على الرغم من أنها حاصلة على شهادات جودة وسلامة الغذاء من أشهر الشركات التي تمنح تلك الشهادات مثل "DNV.GL وTUV" وتخضع لتفتيش دوري من إدارة الشركة الأجنبية الأم، التي تطبق نفس نظام الجودة لكافة مصانع "هاينز" حول العالم؟
مازالت هذه الأسئلة و غيرها يدور في خلدي. الا أن المؤكد أن وسائل الاعلام والصحافة الالكترونية تتعامل مع مثل هذه القضايا باسلوب بعيد عن المهنية بهدف الاثارة وزيادة أعداد زوار الموقع الاكتروني للجريدة مما يحقق هدف المشاهدة للاعلانات! ناهيك عن وسائل الاتصال الاجتماعي والأخبار المتواترة على المدونات والمواقع التي تنشر بدون ضوابط او التزام اخلاقي بتحري الدقة والاستناد إلى حقائق موثقة.
مازات أبحث عن إجابة للعديد من الأسئلة المرتبطة بهذا الموضوع. إلى أي مدى يمكن أن يساهم الاعلام في "الضرب تحت الحزام" عند عدم اتباع المهنية الصحفية ؟ هل يمكن أن يتواطأ إعلاميين مع منافسين تجاريين بهدف النيل من علامة تجارية مقابل تحقيق مصلحة أو منفعة مادية؟ ما مدى تاثير وسائل الاتصال الاجتماعي في تشكيل الرأي العام تجاه قضايا يتم نظرها أمام القضاء؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى وقفة أمام ضمائرنا حتى لا ندمر صناعة وطنية.
[email protected]