أهم الأراء
ترشيد الانفاق الحكومي... بين الشك والأمل
يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير رينيه ديكارت الملقب ب"أبو الفلسفة الحديثة"، "كلما شككت ازددت تفكيراً فازددت يقينا بوجودي". وها أنا ذا أسير على درب ديكارت وأشك في قدرة الحكومة على ترشيد الانفاق الحكومي. فالحكومات السابقة أصدرت تصريحات مشابهة ولم نلمس نتيجة ملموسة على أرض الواقع. ورغم الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها مصر منذ قيام الثورة عام 2011، الا أن الحكومة مازالت تنفق وكأنها أحد حكومات الدول النفطية الثرية. ونتيجة لذلك، تتأجج مشاعر الموطن البسيط عندما يطالبه المسؤولون بالتقشف وتحمل الظروف الاقتصادية الصعبة، بل وفي بعض الأحيان تطالبه بالتبرع لدعم مشاريع في الأصل هي من صميم واجبات الدولة مثل بناء المستشفيات ودعم الخدمات العلاجية والتعليم ورعاية الايتام و دعم القرى الفقيرة وغيرها من قائمة طويلة من المجالات وكأن الحكومة قد تخلت عن مسؤوليتها وتطالب المواطنين بالانفاق بدلا منها.
ولذر الرماد في العيون، أطلقت اللجنة الوزارية الاقتتصادية في الشهر الماضي قرارات لترشيد الانفاق الحكومي. تضمنت القرارات ترشيد وضغط الإنفاق في كافة بنود موازنات جميع الوزارات والمصالح الحكومية والشركات ووحدات الجهاز الإداري للدولة، بنسبة تتراوح بين 15و 20%، دون المساس بالأجور والرواتب والموازنة الاستثمارية. كذلك شملت خفض التمثيل الخارجي في البعثات التابعة للوزارات بنسبة 50%، والاستفادة من الكوادر الموجودة بوزارة الخارجية في إنجاز أعمال هذه البعثات.
وبما أني بدأت الحديث عن الشك المنهجي، فالهدف هو الوصول الي اليقين ومعرفة كيف ستنفذ الحكومة تعهداتها في ترشيد الانفاق، وما هي المبالغ التي يُستهدف توفيرها، وما هي الآلية التي تتيح للمواطن البسيط معرفة النتائج التي ينبغي على الحكومة الافصاح عنها بشفافية و أن يتم توثيقها بأساليب موضوعية . فالشك ليس مطلق ولكنه منهج للوصول الى الحقيقة.
حتى الأن لم يتم الافصاح عن الإجراءات التنفيذية اللازمة لتنفيذ خطة خفض الإنفاق العام، ولم تنشر وزارة المالية أي تصور عن المبالغ التي سوف يتم توفيرها على مدار السنوات الخمس القادمة، وما هي الدراسات التي تمت بشأن معرفة أثر خطة ترشيد الانفاق على مستوى أداء القطاعات المعنية.
كل ما أخشاه هو أن تكون قرارات اللجنة الوزارية الاقتتصادية قد تم إصدارها لنزع فتيل الأزمة في ضوء حالة الغليان التي تسود الشارع المصري مدفوعة بالغلاء الفاحش للأسعار دون رقابة فاعلة من الحكومة. كما أخشى أن تكون هذه القرارات ليست الا مسكن يزول تأثيره بعد فترة وجيزة يتم خلالها الدفع ببعض الاجراءات الشكلية يصاحبها ضجة اعلامية منظمة حتى تتحقق الغاية وهي كبت حالة الغليان في الشارع المصري على حساب معالجة جذور الأزمة.
الدروس المستفادة من القرارات المماثلة التي اتخذتها الحكومات السابقة في ظروف مشابهة تدعو الى الحذر في الافراط في التفاؤل بفاعلية تنفيذ هذه القرارات دون توفير عوامل النجاح لها ودون معالجة الأسباب الحقيقة للمشكلة بدلا من افتراض أن القرار وحده كفيل بتحقيق الأهداف المرجوة.
وأخيرا أنني لا انتقد القرار بل أرحب به شأني شأن أي مواطن يأمل أن تعبر مصر الأزمات المتلاحقة. فقط أطالب بسرعة الانتهاء من الاجراءات التنفيذية والافصاح عنها بمزيد من الشفافية ، ونشر النتائج التي تم تحقيقها لترشيد الانفاق الحكومي.