أهم الأراء
المصالحة مع رجال الأعمال .. الدواء المر
منذ الشهور الأولى التى أعقبت الثورة رحبت بالدعاوى التي صدرت للمصالحة في ظل قواعد عادلة للتصالح مع رموز العهد السابق بما يضمن تدفق الأموال لاستمرار المشروعات والاستثمارات، ويحفظ حق الدولة فى الأموال التي تم الحصول عليها بطرق ملتوية، و أيضا بما يساهم فى بث مناخ من الثقة بين المستثمرين المحليين والأجانب وجذب المزيد من الاستثمارات، وتشجيع المستثمرين على العودة مجددا إلى السوق المصرى.
ومازلت أرى أن المصالحة هي الدواء المر الذي لا غنى عنه فى ظل الأزمات التى يعانى منها الإقتصاد المصرى، وخصوصا مع تفاقم عجز الموازنة العامة، وحجم الدين الداخلي وأزمة انخفاض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار .
فالمصالحة هي أبلغ رسالة ثقة الى مجتمع الأعمال على المستويين المحلى والعالمي مما يشجع رجال الأعمال على التوسع فى المشاريع القائمة وعدم الخروج من السوق أو نقل الاستثمارات للخارج. وستساهم المصالحة في عودة الاستثمارات و تشغيل المصانع، وتوفير فرص عمل مما يؤدي الى خفض نسبة البطالة. وبالطبع لا اعني بالمصالحة مكافآة رجال الأعمال المدانين في قضايا جنائية ،أو الذين يثبت تورطهم فى قضايا فساد أو إراقة دماء المصريين.
إن الحديث عن المصالحة يقصد به استراد حقوق الدولة خارج نطاق المسالك القضائية بشكل سريع مع توفير للتكاليف الباهظة اللازمة لاستردادها، نظراً لأن الإجراءات القانونية لاسترداد هذه الأموال بالغة الصعوبة، وتستغرق فترة زمنية قد تصل لـ10 سنوات بالإضافة إلى تكاليفها الباهظة، التى ستكلف الدولة نحو 50% من قيمة الأصول المستردة. وبحسب مصادر قضائية، فإن لجان استرداد الأموال التى تم تشكيلها منذ عام ٢٠١١ ، كلفت الدولة حتى الآن ما يقرب من ١٢٠ مليون دولار دون تحقيق اي نجاح يذكر.
وينبغي الاشارة الى أن الدولة لا يمكن أن تسترد الأموال المنهوبة إلا بعد الحصول على حكم قضائى نهائى أمام القضاء الطبيعي، وأن هذا الأمر يمثل عقبة حقيقية فى ظل عدم وجود دلائل مادية قوية أمام القضاء لإصدار أحكام إيجابية للدولة.
ومن دواعي القبول بمبدأ المصالحة أن الدولة لا ينبغي لها أن تسعى للاقتراض أو الاعتماد على المنح والمساعدات من الدول الخليجية بينما لدى بعض رجال الأعمال المليارات المهربة في الخارج .فليس من الحكمة ان تتحمل الاجيال القادمة أعباء القروض بينما هناك مليارات هاربة في الخارج ولا أمل في عودتها بسهولة.
أعتقد انه آن الأوان لأن تسعى الدولة بجدية لدراسة ملف المصالحة من أجل تحقيق المصلحة العليا بعد أن مضى على ثورة يناير نحو خمس سنوات . فلن يستفيد أحد من بقاء رجال الأعمال في الخارج مدى الحياة دون استعادة هذه الأموال. وفي هذا السياق، أود الاشارة الى المصالحة التي تم ابرامها مع رجل الأعمال الشهير حسين سالم هي مثال جيد على ما ينبغي على الدولة أن تكرره مع حالات مماثلة من رجل الأعمال الهاربين في الخارج. وفي ضوء اتفاق التصالح المبرم مع حسين سالم تنازل هو وأسرته عن 21 أصلا من الأصول المملوكة لهم لصالح الدولة بقيمة 5 مليارات و341 مليونا والتي تمثل 75 % من إجمالي ممتلكاتهم داخل مصر وخارجها.
كم أتمنى أن تقوم اللجنة القومية لاسترداد الأموال المهربة بالخارج بسرعة البت في الطلبات المقدمة اليها من رجال أعمال وموظفين سابقين من رموز نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذين يرغبون فى التصالح مع الدولة مقابل سداد ما عليهم من مستحقات مالية، نظير انقضاء الدعاوى الجنائية الصادرة ضدهم.
دعونا ننحي الماضي جانباً ونتطلع بإيجابية إلى المستقبل.
خبير مصرفي