عالم
انتقادات حادة لاتفاق الائتلاف الحكومي الجديد بزعامة أنجيلا ميركل
يهمين اتفاق الائتلاف الحكومي الجديد في ألمانيا على اهتمامات جميع الصحف الألمانية، والتي طغى على معظمها توجيه انتقادات متعددة لخطط الإنفاق الجديدة التي يراها البعض ستكون أكثر تكلفة للأجيال القادمة، وأنها تبعث بإشارات سلبية إلى أوروبا في زمن التقشف المالي، فيما امتدحت بعض الصحف هذا الاتفاق نظرا لإجراءات الحماية الجديدة للعاملين التي تعتزم الحكومة الجديدة تطبيقها.
وكان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي برئاسة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، توصل أمس الأول، الثلاثاء، إلى اتفاق مع حزبين يميلان لليسار، هما الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، بعد مفاوضات شاقة تدور منذ الانتخابات التي أجريت في 22 سبتمبر الماضي، حيث يبقى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) على رأس السلطة، مقابل توافق الائتلاف الحكومي على عدة مبادرات سياسية مشتركة، أهمها: وضع حد أدنى للأجور للمرة الأولى في ألمانيا، وإدخال تغييرات جديدة على سن التقاعد، وتحسين نظام معاشات التقاعد في البلاد، وهى أمور تدفع باتجاه زيادة الإنفاق الحكومي الذي أكد كل من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (اليساري البافاري) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) أنها لن تكون من خلال زيادة الضرائب.
ومع ذلك يتوقف تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد بشكل رسمي على قيام الحزب الاشتراكي الديمقراطي باستشارة أعضائه المقدر عددهم بحوالي 470 ألفا خلال النصف الأول من شهر ديسمبر المقبل، ففي حال موافقة قاعدة الحزب يتوقع أن تنتخب ميركل في 17 من الشهر نفسه من قبل البرلمان الألماني (البوندستاج) على رأس حكومة "ائتلاف موسع" لولاية ثالثة لمدة أربع سنوات.
وفي إشارة إلى أن الائتلاف الحاكم الجديد قد خطط جيدا لهذه التغيرات، قال فولفجانج شوبيله، وزير المالية الألماني، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي: "لقد تم حساب كل شيء بعناية بالغة".
وأضاف شوبيله - في حديثه إلى الإذاعة الألمانية العامة - أن "هذه المزايا الجديدة سوف تتكلف 23.06 مليار يورو كإنفاق إضافي ما بين أعوام 2014 و2017، وأن المجال مفتوح لتطبيقها واعتمادها في الميزانية المالية، لاسيما وأن وزارة المالية الألمانية تتوقع فائضا سنويا بالميزانية العامة يبلغ 15 مليار يورو خلال هذه السنوات".
لكن ثمة آراء معارضة لخطط الحكومة الجديدة التي تم التوصل إليها من أجل تشكيل الحكومة، إذ يرى كريستوف شميدت، رئيس مجلس الخبراء الاقتصاديين، وهو مجلس يقدم المشورة الاقتصادية للحكومة الألمانية، أن الحكومة ليس لديها التمويل اللازم لجميع هذه المزايا الجديدة التي سوف تعطيها للناخبين، وحتى إذا كان لدى الحكومة القدرة على هذا التمويل الإضافي فإنه سوف يقف عند عام 2017 من دون اللجوء إلى زيادة ضريبية أو الاقتراض، لكن بعد هذا التاريخ سوف تواجه الحكومة مشكلات في التمويل وسوف تضطر إلى رفع الضرائب أو الاقتراض.
ويضيف شميدت لصحيفة "دي فيلت" الألمانية أن "خطط الحكومة الجديدة تسمح بالتقاعد عن العمل عند سن 63 عاما بدلا من السن الحالي الذي يصل إلى 67 عاما، وتسمح بزيادة المزايا المالية للنساء الذين يتركن العمل من أجل تربية أطفالهن، وتعطي مستحقات إضافية لمعاشات التقاعد، وكل ذلك سوف ينتج عنه في نهاية المطاف نفقات مالية دائمة"، محذرا من أنه "بعد فترة من الوقت قد تأتي هذه الأموال من اشتراكات الأفراد قبل سن التقاعد أو من خلال الزيادات الضريبية أو من خلال التخفيض العام في معاشات التقاعد".
وبالمثل يحذر كلمينس فويست، مدير المركز الأوروبي للبحوث الاقتصادية، من تخفيض سن التقاعد ووضع حد أدنى للأجور الجديدة، إذ تكمن المشكلة الأكبر من وجهة نظره في الجمع بين لوائح سوق العمل الصارمة الخاصة بسن التقاعد وبين إدخال مزايا تقاعد إضافية، لأن هذا الأمر سوف يقود لزيادة اشتراكات الضمان الاجتماعي ويقلل من الوظائف، في وقت نحتاج فيه بالفعل إلى مزيد من توفير فرص العمل.
من جانبها، انتقدت صحيفة "دي فيلت" المحافظة مأ أطلقت عليه "العقد الحكومي" الذي يعكس الروح المنفعية للشريكين، حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يرى أن ذلك نتاج سياسات المستشار السابق جيرهارد شرودر الذي وضع أجندة عمل حتى عام 2010 وأصلح قوانين العمل والقوانين الاجتماعية، والحزب الديمقراطي المسيحي ممثلاً للمحافظين، الذين يرون في ذلك نجاحا لما يطلقون عليه "الميركيليلة" التي تنتهج مبدأ "كل شيء متاح"، وهو الذي يحدق في الواقع الآن.
وتقول الصحيفة: "أدت سياسات شرودر إلى تقليل حماية العاملين وعدم حل مشكلة البطالة وفقدان حزبه لأصوات الناخبين، فيما تؤدي سياسات ميركل إلى بعث رسائل كارثية إلى أوروبا، فألمانيا توصل نصائحها لدول الأزمات المالية الأوروبية بالتقشف المالي، فيما يعمل هذا الائتلاف على تسمين النظام الاجتماعي وتضخيمه بدلا من تقليصه، ولذا فإنه يمكن القول إن ألمانيا لم يعد ممكنا أن تكون نموذجا لأوروبا".
وتشير صحيفة "فرانكفورتر زيتونج" المحافظة إلى أن التحالفات الكبيرة تكون بخير بطبعها على عكس التحالفات الأصغر، ويبدو أن المرة الثالثة التي يتم فيها تشكيل تحالف حكومي موسع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لن تفشل بطبيعة الحال في توفير النفقات الإضافية من دون اللجوء لزيادة الضرائب في البداية للاتفاق الإضافي على معاشات التقاعد وعلى النساء غير العاملات وعلى أبناء المهاجرين المولودين في ألمانيا الذين سيحصلون على الجنسية بناء على الاتفاق الائتلافي، لكنها سوف تضطر لذلك في المستقبل القريب، وسوف يكتشف الألمان بعد عام 2017 أنهم سيدفعون التكلفة الخفية لهذه النفقات الاجتماعية التي سوف تشكل عبئا كبيرا على الجيل القادم.
وفيما تنتقد صحيفة "دي تاجيزتونج" اليسارية من يرون أن هذا الائتلاف يفتقد للرؤية وأن مجرد تجميع مصالح فردية، لأن روح الاتفاق تعكس قلق ومخاوف النقابات على المستوى الاتحادي، والتي أيدت هذا الاتفاق الموسع الذي يحدث منذ عام 2005، كما أن أبرز الإيجابيات تتمثل في تحسين ظروف عمل الفقراء في جميع القطاعات ابتداء من عام 2017 حينما يتم تطبيق الحد الأدنى للأجور وقدره 5ر8 يوميا للساعة مع تطوير إجراءات وبيئة العمل؛ فإن صحيفة "برلينر زيتونج" اليسارية أيضا تعارض هذا الاتفاق الائتلافي، حيث تشير إلى أنه "لن يجعلنا الثمن أموالا فقط فثمة ما هو أشد ثمنا، حيث إنه لا يعطي دفعات إصلاحات هيكلية، وليس من الواضح أن يتصدى بفاعلية لمشكلة التغيير الديموجرافي في ألمانيا التي لديها أكبر معمرين في أوروبا".
وتقول "برلينر زيتونج" إن "الأمور الأبرز تقتضي مبادرات مبتكرة حول كيفية تنظيم رعاية صحية طويلة الأجل ومراجعة نظام الرعاية الصحية ككل ووضع سياسات جديدة للأسرة، لأنه بدون ذلك سوف تكون العواقب وخيمة في المستقبل بالنسبة لألمانيا على المدى الطويل، حيث الأغنياء يبقون أغنياء، بينما تتحسن حياة الفقراء قليلا، من دون أن يحدث إعادة توزيع للثروة وتأسيس إصلاحات هيكلية في سوق العمل".