أهم الأراء
عن الخيابة العميقة
بعض التعليقات على مقالاتي السابقة أكدت لي أن بعض القراء لا يعرف أن كون إحدى كلمات أو جمل المقال ملوّنة (هكذا مثلا) يعني أنها رابط لصفحة أخرى أود أن يطلع القارئ عليها. وربما اعتقد هؤلاء القراء أن ذلك اللون المميز لدواع فنية وتشكيلية أو أنها شيء بلا معنى محدد مثل كثير مما يكتب في الصحف. ولذلك أنا مهتم بهذا التوضيح بشكل عام. وأنصح القراء بالاطلاع إن أمكن على هذه الروابط التي أضعها في ثنايا المقالات - تفعيلا لروح التدوين والصحافة الإلكترونية - ولأنها تحوي أخبارا أو تقارير معلوماتية أو مقالات أخرى مفيدة أو مستفزة، وأحيانًا ما تحتوي على أغانٍ ومشاهد كوميدية مسليّة. ولكني مهتم بهذا التوضيح الآن بشكل خاص لأني أطلب منك عزيزي القارئ أن تضغط هنا، وأن تلقي نظرة على مقالاتي السابقة، خاصة تلك التي كانت وقت سلطة الإخوان الساقطة، لا رد الله شرعيتها. لترى كيف أنني وقتها رددت بشكل مفرط تعبيرات «السلطوية الإسلامية» و«السلطويون الإسلاميون» لوصف الإخوان وحلفائهم من الإسلاميين، أكثر مما ردد محمد مرسي مشتقات «الشرعية» في خطابه الكوميدي الأخير قبل أن ينقلب على وجهه. مقصدي من هذا الإفراط المقصود هو أن يكون واضحًا ما هو السبب الذي يدفعني لعداء تيار السلطوية الإسلامية، وأن يكون واضحًا أيضًا ما هي الأسباب التي تدفع الكثيرين لمعاداتهم ولكنها لا تخصني. ما يدفعني لعداء تيار السلطوية الإسلامية هو أنه «سلطوي» وليس لأنه إسلامي أو غير إسلامي أو لأنه متطرف أو غير وسطي أو غير مستنير أو لا يتمتع بسماحة الإسلام أو أنه يعادي هوية مصر التاريخية أو الحديثة. يمكن لإنسان أن يكون متدينًا متطرفًا وغير وسطي وغير مستنير ولا يتمتع بأي سماحة وأن يعادي أيا ما كان من الأفكار والتاريخ والجغرافيا، ولكن أول ما تمتد يده لتقييد حريتي أو لتضييق حقي في التعبير والحركة لحماية سلطة تسد الباب أمام التغيير باسم الخوف على الهوية أو الاستقرار، فإنني أود أن أقطع هذه اليد. الأمر لا علاقة له بنيته الحسنة أو إيمانه أو خبثه أو علاقاته الدولية أو حبه لمصر أو حبه لمحافظة الجيزة وهضبة المقطم، ولا بقناعته بأن ذلك التقييد هو التطبيق الأمثل للإسلام أو للبوذية أو للوطنية، أو لأن تفكيره ذلك تشاركه فيه أغلبية سكان مصر أو أغلبية السلف الصالح. ماليش فيه. ولكن عداوتنا سببها أن مشروعه يقوم على تقييد الآخرين وفق ما يراه، سواء كان الشريعة والهوية أو الاستقرار والوطنية، ولأن حركته تقوض «الديمقراطية» التي من الضروري أن تكون إحدى الوسائل التي تضمن حريتي. وهي وسيلة مثلها مثل وسائل كثيرة يمكن أن تستخدم في اتجاهات متضادة، لضمان الحرية أو قتلها، لحفظ الحقوق أو لإنكارها في الدستور والقانون أصلا. مثلما تستخدم الدولة المصرية الآن فكرة «القانون» للانتقام من الأضعف والمهزوم، بينما في دول أخرى أكثر ديمقراطية يكون «القانون» هو تحديدا ضمانة لحماية الأضعف من بطش الأقوى. ما لا يدفعني لعداء تيار السلطوية الإسلامية هو سيول الكلام الفارغ والتافه الذي يتردد من شهور حول أن الإخوان خونة وغير وطنيين ولا يحبون مصر ولا ميدان الجيزة وما شربوش من نيلها ويكرهون الخير للبلد ويتآمرون عليها مع جهات خارجية ويتعاونون مع كارهيها من الدول والقبائل ولا يحبون علم مصر ولا النشيد الوطني، ويخونون مصر مع عشيقات وعشاق من نفس الدين من أماكن أخرى من العالم. إلى آخر هذا الكلام التافه الذي ملأ صحفا وفضائيات الفترة الماضية، ولكن كانت له جذوره في تفاهات سابقة اتهمت الإخوان - على سبيل المثال- بتسميم مياه المدينة الجامعية بجامعة الأزهر لإسقاط شيخ الأزهر. وكتبت ساعتها عن الفرق بين الاستقطاب - الذي أحبه وأعمل ما استطعت على إذكاء ناره- والتسمم بالعداوة. التسمم بالعداوة ليس فقط انحطاطا أخلاقيا - لا أود مناقشته مع ممارسيه من المنحطين- ولكنه أيضا خذلان سياسي وخيابة. مفهوم عندي لماذا يمارسه أولاد الأجهزة الأمنية وأذرعها والذين كانت الثورة بالنسبة لهم نكسة. وجههم مكشوف وهم يتورطون في خيابة تأييد نفس الأساليب السلطوية وإعادة إنتاج نفس السياسات السلطوية. فيؤيدون نفس المواد الدستورية التي صرخوا وقت سلطة الإخوان بسببها، ويؤيدون إقرار نفس القوانين التي شنعوا على الإخوان بسببها، وكان آخرها القانون الخائب المعروف بقانون التظاهر. هم يدافعون عن وجودهم على كراسيهم ويخشون من أن يحتلها أبناء السلطوية الإسلامية. غير مشغولين بحريتك ولا حقك ولا بالعدالة. شغلانة معظمهم كانت ولا تزال هي انتهاك كل ذلك. ولكن المشكلة فيك، عزيزي القارئ، الذي انبسطت بالكلمات الملونة الفارغة عن الوطنية وعن أعداء الوطن، ولم تتتبع ما وراءها. وراء الكلام الفارغ هو الخيابة العميقة التي ابتزتك، وابتزت أهلك، بخطر الإسلاميين لعشرات السنين وبررت تضييق الحريات وانتهاك الحقوق وابتذال حكم القانون بأنها إجراءات ضرورية لمواجهة الإرهاب وحماية النظام، وها هي تعود وليس لديها إلا نفس الكلام الفارغ ونفس الخيابة ولديها أيضا ذعرك من الإسلاميين، الذي أتفهمه، ولكن من الأفضل أن تحوّله إلى شجاعة البحث عن الحرية. ولذلك أذكرك مرة أخرى، إن كانت مشكلتك مثلي أنك تبحث عن حريتك وحقك، ركّز، مشكلتنا معهم أنهم «سلطويون إسلاميون» وليس لأنهم فقط «إسلاميون». لكن السلطويين الآخرين يحبون إخفاء الصفة الأولى عند معاداتهم لأنها فيهم. وها أنت ترى.