أهم الأراء
الخروج من الاستعباد الغربى
يبقى الاتجاه شرقًا حلمًا يراود التكوين المصرى عقلا ووجدانا ومصالح.. ورحم الله الرجل الوطنى الأصيل والمفكر الإنسانى المرموق أنور عبد الملك، الذى ظل يُلح على حتمية التفات مصر إلى الشرق والانطلاق إليه، باعتباره أهم الجهات التى ستحدد مصير النظام العالمى فى القرن الحادى والعشرين وما بعده! والشرق ليس كما يرتع البعض فى جهلهم فيعتقدون أنه الشيوعية والاشتراكية، وما إلى ذلك، ولكنه الحضارات العظمى فى التاريخ الإنسانى من فارس وما وتلاها شرقًا فى الهند والصين واليابان وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، وأيضا الاتحاد الروسى الذى كان من قبل قلب الاتحاد السوفيتى.. ولو ضيقنا المساحة قليلا وتحدثنا عن الشرق المتاخم لنا مباشرة، أى الجزيرة العربية، ومنها شمالا بشرق أى سوريا الجغرافية والعراق لكان حتما أن نتدبر علاقتنا بالشرق عمومًا، وهو الذى تفاعلنا معه حضاريًا فأعطيناه من مصر القديمة ومصر المسيحية الكثير الذى يجل عن الحصر، وأخذنا منه أيضا الكثير الذى يستعصى على الإنكار.. ثم إن مصادر التاريخ تسجل أن وفدا يابانيا جاء إلى مصر أثناء حكم محمد على باشا الكبير ليطالع معالم التجربة المصرية فى التحديث عمومًا، ومن أسف أنهم استفادوا وتقدموا فيما تعرضنا نحن لظروف قد تكون نتيجة لموقعنا الجغرافى السياسى، فيما اليابان هناك بعيدا عند أطراف الأرض! الشرق كما يعلم كل لبيب ليس هو فقط التقدم التقنى الحادث فى اليابان والصين والهند والنمور الآسيوية، ولا هو أعلى نسب التنمية فى العالم المعاصر التى حققتها الصين وهلم جرا من معالم القوة المادية، ولكن الشرق كما أسلفت مهد لحضارات عريقة مثلما هى الحضارة المصرية القديمة، ومهد لأديان عامة واسعة الانتشار يقال عنها إنها وضعية أو هى خليط من الوضعى والسماوى بدرجة أو أخرى.. وهنا تحضرنى إشارة للراحل المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقورى الذى ذهب فى تفسير سورة «التين» بأن ذكر التين فى مطلع السورة إشارة إلى دين سماوى هو البوذية، التى تتخذ من شجرة التين البنغالى شعارا لها، وهى الشجرة التى تتدلى من غصونها العالية جذور هوائية ما إن تصل إلى الأرض حتى تتجذر وتنشئ شجرة جديدة إلى أن تصبح الشجرة الواحدة غابة هائلة متشابكة لا يدرى أحد ما هى الشجرة الأم.. ويضربون بها المثل أيضا على تشابك الحضارات واشتراك جذورها، بحيث لا يعرف أحد ما هى الحضارة التى منها انبثقت بقية الحضارات! الشرق أيضا هو مهد لسمة إنسانية سامية ورفيعة تشترك فيها مصر معه، وتشترك فيها كل الحضارات والأديان، ألا وهى السمو الروحى المعروف لدينا بالرهبنة والتصوف.. ناهيك عن أن التجارب الإنسانية فى الشرق ووصول بعض أقطاره إلى مرحلة متقدمة فى البناء السياسى والديمقراطية والتعايش بين الأعراف والأديان والمذاهب والثقافات واللغات واللهجات، ثم بعد ذلك كله نجد أنفسنا أسرى للتوجه شمالا إلى الغرب الأوروبى والأمريكى دون أن نحتفظ لأنفسنا بخط رجعة من أى نوع! إننى لا أدعو إلى مقاطعة الغرب الأوروبى والأمريكى، فلا أحد يملك شيئا من العقل ينكر ما لأوروبا من دور فى الحضارة الإنسانية منذ الإغريق والرومان إلى الحقب الحديثة والمعاصرة ابتداءً بعصر النهضة ثم عصر الثورة الصناعية، وما يتصل بذلك من آداب وفنون وفكر وفلسفة وعلم وتطبيق علمى، ولكن هذا لا يكفى لكى نمتنع عن التوجه شرقًا لنستفيد على المستويات كافة! إن دورًا للمجتمع المدنى يجب أن يبدأ ويمضى قدما ليعمق العلاقات المصرية مع شعوب الشرق من إيران إلى الهند إلى الصين إلى اليابان وكذلك روسيا.. حتى لا نبقى عبيدا فى سوق النخاسة السياسية الأوروبية والأمريكية!. [email protected]