أهم الأراء
اتحاد بنوك مصر والاستقلالية المفقودة
عند مطالعتي قانون البنك المركزي رقم 88 لسنة 2003 المعروف بإسم قانون البنوك، أسترعى أنتباهي المادة رقم 44 الخاصة باتحاد البنوك. ولكي أوفر جهد تفسير القانون لغير المتخصصين، أستعرض ملخص المادة في النقاط التالية:
ينشأ البنك المركزي اتحاد بين البنوك ويصدر بنظامه الأساسى قرار من مجلس إدارة البنك المركزى لا تسرى المعايير والقواعد المهنية التى يضعها الاتحاد إلا بعد اعتمادها من مجلس إدارة البنك المركزى يعين محافظ البنك المركزى مندوبا لدى الاتحاد يكون له الحق فى حضور جلساته والاشتراك فى مناقشاته والمادة بصيغتها الحالية تجعل من اتحاد البنوك كياناً تابعاً للبنك المركزي لا يتمتع بالاستقلالية اللازمة لتمثيل مصالح البنوك الأعضاء وعرض المطالب دون خشية تأثير رد فعل الجهة الرقابية (البنك المركزي) لأنها تملك السلطة المطلقة في فرض قراراتها على البنوك.
لمزيد من التوضيح، سوف أطرح بعض الأسئلة من أجل التمهيد لعرض وجهة النظر التي تبنيتها في هذا المقال.
هل يتم مناقشة البنوك الأعضاء في القرارات الهامة الذي يتخذها البنك المركزي قبل نفاذها؟
هل من الناحية الفعلية يمكن أن يستجيب البنك المركزي لمطالب اتحاد البنوك ويجري تعديلات على القرارات التي تم طرحها للنقاش مع الاتحاد؟
هل من الممكن لإتحاد البنوك ممارسة الضغط من أجل تشكيل الرأي فيما يتعلق بالسياسة العامة في القطاع المصرفي أو في الشؤون الاقتصادية حين تكون البنوك هي القاسم المشترك؟
ومن هنا أود أن أشير أن في في الاقتصادات السليمة، يكون من المستبعد بمكان أن تجد جهة رقابية تقوم بتأسيس اتحاد مهني حيث يكون تعارض المصالح واضح جدا. كيف يمكن للبنوك الأعضاء أن تعبر عن آرائها إلى الجهة الرقابية التي لها السيطرة الفعلية على الكيان والتي لديها في نهاية المطاف السلطة أن ترفض التوصيات،وربما ترفض في الأصل إدراج الموضوع على جدول الأعمال للمناقشة؟
لذلك أرى أن هذه المادة في قانون البنوك يجب أن يتم تعديلها من أجل التعامل مع التغيرات التي طرأت على الساحة المصرفية الدولية والدور المنوط بالكيان الذي يمثل قطاع البنوك بعيداً عن ممارسات الأنظمة الشمولية التي كانت سائدة في الحقبة الزمنية الماضية والتي كانت تفرض سيطرة الدولة بأجهزتها الرقابية وتدخل الجهاز التنفيذي للدولة في مقاليد الأمور.
لقد قمت بعمل بحث للتعرف على وضع الاستقلالية في الكيانات المشابهة لاتحاد البنوك في عدة دول. وخلص البحث إلى أن مسألة استقلالية اتحاد البنوك لامثيل له في الدول محل البحث. والقاسم المشترك في هذه الكيانات أنها يتم تأسيسها كمؤسسة عامة تضم في عضويتها البنوك العاملة وفروع البنوك الأجنبية ولا يكون من بين أعضائها أو مؤسسيها البنك المركزي.لقد أثار إعجابي الدور الذي يمارسه اتحاد البنوك الألمانية في تطبيق مبادئ ممارسة الضغط السياسي وتطبيقها في التعامل مع صانعي القرار بحيث يتم المشاركة في تشكيل الرأي العام في الساحة السياسية وعلى صعيد الشؤون الاقتصادية للدولة بما يخدم الصالح العام.
و يعتبر اتحاد البنوك في جمهورية التشيك من الأمثلة الجيدة الأخرى حيث يعزز المصالح المشتركة للبنوك الأعضاء لدى البرلمان والحكومة والبنك المركزي التشيكي، كما أنه يلعب دوراً هاماً في المشاركة الفعالة في إعداد القوانين واللوائح، وتنظيم الرقابة المصرفية.
أن التعديل المطلوب على قانون البنوك ليس الغرض منه انتقاص السلطة الرقابية للبنك المركزي، إنما دعم دور اتحاد البنوك في تحقيق أغراضه بموضوعية وبدرجة مناسبة من الاستقلالية. فبينما تتفاعل الكيانات المهنية حول العالم نحو مزيداً من التحرر في ممارسة أعمالها، يجب أن لا تتوقف عقارب الساعة عكس اتجاه التقدم نحو الأفضل.
خبير مصرفي