أهم الأراء
الجديد يشاكس والقديم يصارع!
ينشغل الكثيرون بالصراع الدائر حاليا بين الدولة المصرية وجزء كبير من المجتمع من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. بالتأكيد لامتداد هذا الصراع آثار سلبية يعانى منها المصريون يوميا. إلا أن هذا النزاع الرأسى يخفى عن الأعين وجود صراع أفقى من نوع مختلف! فالانقسام البادى الآن بين مؤيدين للسلطة الحالية ومؤيدين لميدان رابعة، وبدرجة أقل الانقسام «الهوياتى»، الذى سبقه بين ما سمى القوى المدنية أو الليبرلية والقوى الإسلامية يمنعنا من إدراك واقع مغاير: هناك انقسام مجتمعى آخر أكثر عمقا بين فئات اجتماعية تعبر عن رؤى ومصالح جديدة وأخرى تدافع عن مصالحها التقليدية. بالطبع هذا الغليان المجتمعى هو الذى دفع تحديدا إلى اندلاع ثورة 25 يناير، وإلى استمرار الحراك بلا توقف إلى يومنا هذا. فعلى المستوى السياسى مثلا نشهد صراعا مستمرا بين القوى السياسية القديمة، التى تعودت أن تتكيف مع السلطة السياسية، وبين الأحزاب الشابة الجديدة الثائرة على النهج القديم، والتى تحاول أن تدفع لهامش أوسع من الحريات، ومساحات أكبر للتعبير السياسى. صحيح أن هذه القوى لا تزال ضعيفة التنظيم، وغير قادرة على فرض رؤيتها أمام القوى القديمة، التى تتمتع بقدر من القواعد الاجتماعية التقليدية، إلا أن الأولى لا تزال فى مهدها تشاكس، أما الثانية فمخزون قوتها قديم، وشرعيتها أضعف مما كانت عليه سابقا. . أما على المستوى الاجتماعى فبرزت مثلا النقابات المستقلة المعبرة عن مصالح قواعد عمالية بعينها. بالطبع تنافس هذه النقابات ذات الشرعية الواضحة والتنظيم قيد البناء النقابات «الرسمية» ذات البنية التنظيمية الأقوى ولكن ذات الشرعية المتآكلة. قطعا صعود هذه النقابات، التى رفضت مطلبا كالحد الأدنى للأجور يؤكد رغبة فئات بعينها فى توزيع أكثر عدالة للثروة، وبالتالى فهو يعكس انقساما اجتماعيا عميقا تجاهلته الأنظمة المتعاقبة، وأخشى أن أقول إنه لو لم تتم معالجته باستيعاب هذه القوى الجديدة ومطالبها فإنه سينفجر حتما. لذا فإن الحقيقة المؤلمة التى لا بد أن ندركها هى أن هذا الصراع بين الجديد والقديم سيستمر معنا، ربما لسنوات قادمة، ستعاد خلالها بلورة الرؤى والمصالح المختلفة لجميع الأطراف، ولأنه نزاع يعبر عن صراع مجتمعى حقيقى فهو لن يتوقف، ولو سُنت آلاف من القوانين الجائرة، بل ستنتهى فقط عند الوصول إلى حل وسط، أو صيغة تأخذ مصالح هذه القوى الجديدة والصاعدة فى الحسبان. [email protected]