أهم الأراء
مسؤولية التشريع
لم أصدق ولكنه حدث.. أخيراً صدر فى مصر قانون قد يكون بداية لتحجيم سيطرة رأس المال على الحكم ومكافحة الفساد. القانون تم نشره فى ١٣ نوفمبر الماضى بالجريدة الرسمية العدد ٤٥ مكرر ألف. قانون حظر تضارب مصالح المسؤولين فى الدولة، صدر متأخراً للغاية. منذ عام ٢٠٠٤ عندما أصبح كثير من رجال الأعمال المرموقين وزراء أو مسؤولين، ونحن نطالب بإصدار هذا القانون دون مجيب. الفكرة التى يقوم عليها القانون بسيطة للغاية؛ عندما تتعارض مصالح كبار موظفى الدولة مع مصالح الدولة أو الجهات التى يعملون فيها فإن عليهم إعلان وجود هذا التعارض، ثم العمل على منعه وفقا للأحكام الواردة فى القانون. أنشأ القانون لجنة باسم «لجنه الوقاية من الفساد» تقوم على تطبيق أحكام هذا القانون والتأكد من احترامها، يصدر بتشكيلها واختصاصاتها قرار من رئيس الجمهورية. ألزم القانون كل مسؤول فى الدولة وخلال شهر من تعيينه بأن يقدم إلى لجنة «الوقاية من الفساد» إقراراً بذمته المالية مع تحديثه سنوياً. منع القانون المسؤول الحكومى من عضوية مجالس إدارات الشركات أو العمل فيها. منعه طوال فترة خدمته أن يشترى بشكل مباشر أو غير مباشر أسهماً أو حصصاً فى شركات أو مشروعات تجارية أو زيادة حصصه فيها. ألزم المسؤول الذى يعمل فى عمل مهنى بمفرده أو مع غيره بتصفية أعماله فى خلال شهرين من تعيينه؛ وحظر على المسؤول الحكومى تقديم الخدمة الاستشارية حتى لو كانت غير مدفوعة الأجر. منع القانون المسؤول الحكومى ولمدة ستة أشهر بعد خروجه من الوزارة من تولى أى منصب فى القطاع الخاص لدى أى شركة كانت تابعة أو يشرف عليه عمله السابق. بصرف النظر عن أن العقوبة الواردة فى القانون ضعيفة وقد لا تحقق الردع المطلوب إلا أن مجرد صدوره يعتبر نقلة نوعية فى طريق مكافحة الفساد، يجب أن نشجعها عن طريق نقدها وتحسينها. المهم هو أن يكون القانون جزءاً من منظومة متكاملة ضد الفساد تبدأ أولى خطوات بنائها بإلغاء التعديل الذى قام به رئيس الجمهورية على قانون المناقصات والمزايدات والذى يعطى الحق فى إسناد المقاولات بالأمر المباشر حتى عشرة ملايين جنيه. يجب إعطاء الجهاز المركزى للمحاسبات سلطات تتجاوز مجرد إصدار التقرير وإحالته إلى النيابة لتتوه فى الأدراج هناك إلى إمكانية تحريك الدعوى العمومية مباشرة ضد المسؤول الحكومى الذى يتيقن الجهاز أنه أكل الحرام. إنشاء المفوضية العليا لمكافحة الفساد كهيئة مستقلة أصبح من أوجب الواجبات. على المجتمع المدنى أن يبدأ وفوراً سلسلة من النقاشات لتطوير منظومة مكافحة الفساد فى مصر. عليه أن يقدم رؤية نقدية لقانون تضارب المصالح؛ كما أن عليه أن يشدد من رقابته على النيابة العامة ومدى جديتها فى التعامل مع تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات. يبقى شكر مستحق لحكومة الدكتور الببلاوى على إصدار القانون، فربما كان بداية لتمارس الحكومة سلطة التشريع بمسؤولية.