بنوك وتامين
"المالية" تبحث عن علاج لصداع الفجوة التمويلية للمشروعات بعد وصول العجز لـ261.9 مليار جنيه
بلغ عجز الموازنة العامة للدولة خلال 11 شهرا فقط "من يوليو حتى مايو 2014/ 2015" 261.9 مليار جنيه بزيادة بلغت 21.9 مليار جنيه عما هو مربوط بتلك الموازنة والمحدد بنحو 240 مليار جنيه، وهو ما يمثل "صداعا مزمنا" للمسئولين داخل أروقة وزارة المالية، وتتوالى الاجتماعات والمقترحات للسيطرة على هذا العجز، في الوقت الذي زادت فيه فاتورة الدين العام لـ2.2 تريليون جنيه خلال مارس الماضي مقارنة بـ1.9 تريليون جنيه بنفس الفترة، وبفارق 300 مليار جنيه.
وأجمع خبراء على أن التحديات السابقة ترفع حجم الأعباء الملقاة على عاتق الخزانة العامة لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المأمولة أو تحسين حقيقي في مستوى معيشة المواطنين، وأشاروا إلى أن أكثر من 94% من الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات الموازنة توجه لسداد أقساط وفوائد الديون، والتي تشكل نحو ربع النفقات العامة من تلك الموازنة.
ترشيد النفقات
وتتعهد زارة المالية عبر بيانها المالي التمهيدي لموازنة العام المالي 2015/2016، بخفض عجز الموازنة العامة لنحو 10%، مع الاستمرار في خفضه ليصل إلى ما بين 8 و8.% من ذات الناتج بحلول العام المالي 2018/2019، وبدون وضع أية منح أو مساعدات استثنائية، بالتزامن مع العمل على إعادة ترتيب الأولويات في النفقات العامة وترشيد النفقات وحفض معدلات التضخم بواقع 1% لتصل إلى ما بين 7 و8%.
وقالت سارة عيد، المساعد الأول لرئيس وحدة السياسات الكلية بوزارة المالية، إن الوزارة تعتزم تنفيذ عدد من الإجراءات لتقليل الأعباء المالية على الموازنة، من بينها ترشيد النفقات وزيادة الإيرادات من خلال تفعيل قانون الثروة المعدنية والمحاجر والضريبة العقارية وكذلك تعديل قانون الضريبة على المبيعات، متوقعة أنه من المقرر مساهمته في الخزانة العامة بنحو 30 مليار جنيه.
ونفت عيد، في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن تشكل تلك الإجراءات أية أعباء على الفئات محدودة الدخل، خصوصا أن موازنة العام المالي 2015/2016 الجاري تضمنت أكثر من 49% من النفقات العامة لبرامج الحماية الاجتماعية، في مقدمتها زيادة مخصصات قطاعي التعليم والصحة، بالإضافة لتحسين المعاشات وبرنامج تكافل وكرامة بقيمة بلغت 4.7 مليار جنيه.
وأضافت أن "المالية" تعمل على ملف إعادة الانضباط المالي والهيكلي للموازنة بما يساعد على تقليل الفجوة التمويلية وسد عجز الموازنة وتقليل أعباء الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي من خلال وصوله لما بين 80 و85% من الناتج المذكور بحلول العام المالي 2018/2019، مشيرة إلى أن الوزارة نجحت في السيطرة على عجز الموازنة ليصل إلى 10.8% من الناتج المحلي خلال العام المالي الماضي، متوقعة أن تنخفض تلك النسبة بنهاية العام المالي الجاري لتصل لنحو 9.5%.
ومن جانبه، قال الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير السابق بصندوق النقد الدولي، إن متوسط عجز الموازنة الشهري خلال العام المالي 2014/2015 الماضي يصل لنحو 25 مليار جنيه، بما يعني أنه من المتوقع وصوله لـ290 مليارات جنيه في الحساب الختامي بزيادة قدرها 50 مليار جنيه عن الربط المبدئي لموازنة ذلك العام.
وأرجع الفقي سبب الانحراف في عجز الموازنة والدين العام، لعدم تطبيق موازنة البرامج والأهداف، والتي تعهدت وزارة المالية بتنفيذها خلال العام المالي 2015/2016 الجاري، مع ربط ذلك بالإنفاق على قطاعات التعليم والصحة والإسكان وغيرها، من خلال تقليل كثافة الفصول وتدريب المدرسين وتغيير مناهج التعليم ومتابعة الأهداف كل ربع عام مالي (3 أشهر)، كشرط لتوفير النفقات، إلا أن ذلك لم يتحقق وتم تطبيق موازنة البنود، مما يعني عدم وجود رقابة وووجود إهدار للمال العام.
وأضاف أنه علي ما يبدو لم يكن الوقت كافيا أمام وزارة المالية لتطبيق موازنة البرامج والأهداف.
برنامج وطنى
واقترح الفقي برنامجا وطنيا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لتقليل فاتورة الدين العام وعجز الموازنة، مشيرا إلى أن ذلك البرنامج يتم عبر خطط قصيرة وطويلة الأجل، ومن خلال 3 محاور أبرزها معالجة الاختلالات المالية والسيولة من خلال ربط معدلات النمو بالموازنة وإعادة هيكلة النظام النقدي من خلال البنك المركزي المصري وربطهما بالقطاع الخارجي وميزان المدفوعات، معتبرا أن تلك الخطوة ستأخذ نحو 3 سنوات لتنفيذها.
وأشار إلى أن المحور الثاني من ذلك البرنامج يتطلب إعادة هيكلة المنظومات المشوهة بما في ذلك نحو 155 شركة قطاع أعمال عام و51 هيئة اقتصادية ودمج القطاع الاقتصادي غير الرسمي وإعادة النظر في الجهاز الإداري.
وأكد الفقي أنه ينبغي العمل على زيادة الإيرادات بالموازنة بشرط عدم تحميل الفئات الأقل دخلا لأية أعباء إضافية، من خلال إعادة استغلال جزء من أصول الدولة غير المستغلة من خلال إنشاء صندوق سيادي للسيطرة على خسائر الشركات القابضة بدون أن تتحمل الخزانة العامة لأعباء سنوية تصل لـ2 مليار جنيه من تلك الشركات، مشيرا إلى أن ذلك المحور سيستغرق 6 سنوات بالتوازي مع المحور الأول.
وقال إن المحور الثالث من تلك الخطة يتمثل في تحسين برامج الحماية الاجتماعية بما في ذلك نظام المعاشات والتعليم والصحة والخدمات العامة، معتبرا أنها ستستغرق نحو 10 سنوات لتؤتي ثمارها.
مناخ الاستثمار
من جانبه، قال الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إنه يتعين على الحكومة العمل على زيادة الحصيلة من الإيرادات غير الضريبية وإعادة هيكلة التشريعات، خصوصا قانون الاستثمار الموحد، وتحسين المناخ الاستثماري لجذب الاستثمارت الأجنبية للبلاد والقضاء على البيروقراطية والفساد والتوسع في دعم قطاعي التعليم والصحة إذا كانت هناك رغبة حقيقية لتحسين معدلات النمو والقضاء على عجز الموازنة.
وأضاف عبده أن وزارة المالية لا تملك زيادة أو نقص الإيرادات العامة، في ظل ارتفاع النفقات بالموازنة، معتبرا أن موارد الدولة بحاجة لإعادة نظر وحسن استغلال، في ظل حالة عدم الانضباط لدى النشاط الاقتصادي ككل.