أهم الأراء
تمرد.. لتبدع
عندما قطع ڤان جوخ أذنه ليعطيها لحبيبته التى أعجبت بها وصمه الناس بالجنون، ولكن هذا الجنون لولاه ما أبدع جوخ لوحاته الرائعة ولا أسس لعلاقة الضوء بالظلال كمدرسة فنية لمن أتى بعده، وعندما كان الطلبة ينتظرون حضور سلڤادور دالى لإلقاء محاضرة عليهم وعيونهم معلقة بالباب، فوجئوا به يدخل إليهم من النافذة، وعندما سألوه لماذا أجاب بأنه لو فعل كما توقعوا لصار تقليديا وعاديا، طبعا ليست هذه دعوة لأحد إلى أن يقطع أذنه أو يذهب لزيارة صديق فيدخل إليه من شباك منزله، ولكنها دعوة للتمرد والاختلاف إذا أردت أن تكون مبدعا فى أى مجال.. لو سقطت تفاحة على رأس مليار إنسان سيأكلها شاكرا الله على هذه المنحة السماوية، ولكن واحدا فقط سقطت عليه فتساءل لماذا سقطت لأسفل وليس لأعلى، فاكتشف قانون الجاذبية الذى غير العالم. إنه إسحاق نيوتن، واحد من أعظم علماء الرياضة فى تاريخ البشرية، وكذلك فعل أرشميدس، الذى اكتشف قانون الطفو أثناء استحمامه، ولو كان كل اهتمامه منصبا على (الميه تروى العطشان وتطفى نار الحران) ما اكتشف شيئا.. والفنان متمرد بطبعه، حتى لو بدا تقليديا وبيروقراطيا بامتياز كنجيب محفوظ، لقد بدأ حياته الروائية بأول رواية عن الفراعنة (كفاح طيبة)، ثم تجاوزها وتمرد عليها حتى وصل إلى ملحمته الرائعة (الحرافيش)، بل إن محفوظ كأنما كان مصابا بالشيزوفرينيا، كان متحفظا بشدة وهو رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، ثم يحلق فى ذرى الخيال محطما كل الثوابت فى روايته (أولاد حارتنا)، فيصادرها الأزهر ويحصل بها على نوبل، ثم تكون سببا فى محاولة اغتياله على يد جاهل متطرف لم يقرأ لا محفوظ ولا غيره. ولكن أمراءه أفتوا بكفر محفوظ فنفذ أمرهم بقتله.. ولأن المختلف والمتمرد يهز ثوابت المجتمع فى أى مجال، فهو عدو لكل التقليديين وأصحاب المصلحة فى أن يظل الحال على ما هو عليه.. ناصر كان متمردا، وكذلك أم كلثوم، وطه حسين، وحليم، ونصر حامد أبوزيد، وبليغ حمدى، والحلاج، وطابور طويل من المفكرين والقادة، بل إن الأنبياء، وأعظمهم محمد، عليه الصلاة والسلام، هم ثوار عظام خرجوا على تقاليد مجتمعات رأسمالية وفاسدة فأرادوا إقامة العدل بين الناس فحاربوهم وآذوهم، ولكن كان النصر فى النهاية لصاحب الفكر المتمرد والمختلف.. إذا أردت أن تكون سطرا فى كتاب التاريخ.. تمرد وحارب من أجل فكرتك، فالتاريخ يكتبه المتمردون لا الموظفون.