أهم الأراء
من يلوي زراع البنك المركزي؟
الحملة التي تطالب بإلغاء قرارات البنك المركزي الأخيرة كانت متوقعة في ظل التأخير في تلبية طلبات المستوردين بتوفير الدولار لفتح الاعتمادات المستندية و سداد مديونياتهم للموردين في الخارج. و على الرغم من أن قرارات البنك المركزي في جملتها صحيحة و تصب في مصلحة الاقتصاد القومي، الا أنها كان الأفضل أن تكون ضمن إطار سياسة عامة شاملة تضم كافة أصحاب المصالح من ناحية و الجهات المعنية من ناحية أخرى. و لكن يبدو أن القرارات الأخيرة ركزت أكثر على الأعراض بينما مازال هناك مسلحة أكبر لتقديم الحلول التي تعالج العلة الأساسية المسببة للأعراض.
تتركز المشكلة في اعتماد المصانع و المستوردين بشكل شبه كامل على البنوك فى توفير احتياجاتهم من العملة الأجنبية خصوصا بعد القضاء على السوق السوداء للعملة، بسبب القرارات التنظيمية التي أصدرها البنك المركزى بفرض سقف للايداعات النقدية بالدولار الأمركي عند مستوى 10 آلاف دولار يوميًا و50 ألفًا شهريًا، وعدم شراء دولارات مجهولة المصدر، كذلك بتشديد الرقابة على التحويل بين حسابات عملاء البنك الواحد منعًا للالتفاف على القواعد. أخر هذه القرارات كان حظر منح فئة الـ100 دولار للعملاء للحد من تهريب الفئات الكبيرة من العملة الأجنبية للخارج.
و مع ذلك، ليس من المستحيل إعادة النظر في القرارات إذا تبين بعد التقييم المنصف أن القرارات لم تحقق النتئج المرجوة بنسب مرضية. على سبيل المثال، لم يحقق القرار الآخير بحظرمنح فئةالـ100 دولار للعملاء حيث يتم الالتفاف حول هذا القرار مما نتج عنه وجود تباين ملحوظ بين أسعار الدولار فئة 10 أو 20 دولار وبين سعر صرف فئة 100 دولار في السوق السوداء، مما جعلها تباع بأسعار مميزة؛ لندرتها في السوق. فليس من الصعب تهريب فئة ال50 دولار و ات تضاعف حجم الشحنة النقدية المهربة .
و لكن هل يستطيع البنك المركزي أن يحصن نفسه ضد هذا الهجوم؟ أعتقد أنه من الممكن ذلك بزيادة درجة الشفافية في الافصاح عن نتائج القرارات مستشهدا بالبيانات الاحصائية و الدراسات ضمن اطار سياسة اعلامية منظمة. كما أنصح بتبني حوار مجتمعي مع أصحاب المصالح المعنين مثل الغرف التجارية و اتحاد الصناعات و غيرهم من اجل شرح الأمور المتعلقة بقرارات البنك المركزي و أهدافها و الاستماع الى وجهة نظر الأطراف المعنية في الأثار المترتبة و كيفية التعامل معها بما يحقق المصلحة العامة للاقتصاد.